في تاريخ مسيرة الدول، ثمة أيام وأحداث ومنعطفات مهمة وفارقة تؤثر على مستقبلها، وتلعب دوراً كبيراً في تشكيل هويتها ووجدانها، فإما أن تسلخهم عما كانت عليه، أو أنها ترسخ ولاءها وانتماءها لأرضها وتاريخها والشخصيات التي كان لها الفضل فيما وصلت إليه، ليصبح كل ذلك جزءاً من الذاكرة الجمعية. والإمارات واحدة من تلك الدول التي تغير تاريخها يوم 18 يوليو 1971، وذلك حين وقّع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه الحكام «وثيقة الاتحاد» وعلى الدستور الإماراتي أيضاً، ومن ثم تم الإعلان رسمياً عن اسم الدولة الجديد وعلمها الذي تم رفعه في 2 ديسمبر من العام ذاته. مثل تلك الأحداث - حين تعود بالنفع والفائدة على الناس وتغير حياتهم من حال إلى حال - يصبح من المهم الاحتفال بها، ليس لكونها مناسبة سياسية، بل لأنها في الحقيقة تشكل وجدان الناس، وتكون بالنسبة لهم جزاءً لا يتجزأ منهم، لكونها تمنحهم فرصة كبيرة ليكونوا معاً، متوحدين وينتمون لهوية واحدة تجمعهم كلهم تحت مظلتها، ولتصبح المشتركات بينهم كثيرة وعظيمة، وهذا ما جعل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، يعتمد «يوم عهد الاتحاد» مناسبة وطنية احتفالية توافق يوم 18 يوليو. لقد شكل الاتحاد منذ عام 1971 انطلاقة نهضة شاملة في الإمارات لم تتوقف يوماً منذ ذلك التاريخ، وقد شملت مجالات كثيرة في مختلف القطاعات الحيوية، والتي وضعت الإمارات اليوم على خريطة أكثر الدول تقدماً وأماناً.

ولا شك أن احتفالنا بتلك الذكرى إنما يرسخ الوعي لدى الأجيال الجديدة التي لا تعرف الظروف والقرارات التي قادت إلى قيام الدولة، ولم تعش أيام الاتحاد، كما لا تعرف قدر الجهد والعطاء والعمل الشاق والتضحيات التي قدمها الآباء المؤسسون، ومن ثم الوصول إلى ما تحقق من إنجازات على أرض الواقع، وأنه لولا لبنات التأسيس الأولى ما عاشت أجيال اليوم أجواء الرفاه والرخاء التي ينعمون بها اليوم.

إن «يوم عهد الاتحاد» يُجسد روح الوحدة والتلاحم بين أبناء الوطن، وكذلك الالتزام بمواصلة المسيرة نحو مستقبل أكثر ازدهاراً وتقدماً تحت راية الاتحاد، وبالتالي فإن الاحتفال به يخلد تاريخاً مشرفاً، ويجسد قيم التكاتف والتعاضد بين أبناء الإمارات، ويسهم في تعزيز القيم والمبادئ الوطنية.

إن المناسبات الوطنية الجامعة لها قيمة وأهمية كبيرة لدى الشعوب أينما كانت، فهي عدا عن كونها مناسبات احتفالية، هي كذلك مناسبات لاستذكار التاريخ، وبالنسبة لنا في الإمارات فإن التاريخ يجمع بيننا، ويرسخ مشاعرنا تجاه وطن يعطينا الكثير، ويمنحنا الثقة أكثر وأكثر بأننا ننتمي لدولة عرفت كيف تستثمر طاقاتها وثرواتها، ولأرض استطاعت بفضل ما فيها من تقدم أن تجمع بشراً من خلفيات مختلفة ليعيشوا معنا ما نعيشه، ويتعرفوا إلينا عن قرب، ويشاركونا الاحتفاء بتقاليدنا وبإرثنا وثقافتنا التي نباهي بها بين الأمم، وهو ما نحرص على الحفاظ عليه وإحيائه لأنه جزء من هويتنا كشعب. عديدة هي المناسبات الوطنية التي نحتفل بها في الإمارات، والتي هي استذكار حقيقي لتاريخنا ولقادته الذين ندين لهم بتحقيق الوحدة على الرغم من الصعوبات التي واجهتهم حينها، وامتنان وتقدير كبيران لمن يسيّر سفينتنا اليوم، وهو ما يمكن اعتباره تجسيداً لما أراده مؤسسو الدولة قبل عقود، واستمراراً لحلمهم الذي يتحقق خطوة خطوة لنحيا جميعاً حياة فيها من الأمن والأمان والاستقرار ما يجعلنا أوفياء، في ظل تحقيق إنجازات غير مسبوقة نشهدها في مختلف المجالات وفي جميع مناطق الدولة التي نفخر بأننا منها.