أشاد صندوق النقد الدولي بنمو أكبر اقتصاد في العالم، وبتقدمه المحرز نحو السيطرة على التضخم. وجاء في بيان ختامي لمراجعة سياسات الاقتصاد الأميركية بموجب المادة الرابعة ما نصه: «ثبت أن الاقتصاد الأميركي قوي وديناميكي، وقابل للتكيف مع الظروف العالمية المتغيرة، إذ استمر النشاط والتوظيف في تلبية التوقعات، وكانت عملية خفض التضخم أقل تكلفة بكثير مما كان يخشى الكثيرون».
وتوقع الصندوق أن يعود هذا التضخم إلى تحقيق هدف 2 في المئة عام2025، وهو أسرع من توقعات الاحتياطي الفيديرالي نفسه، بتحقيقه في عام 2026. لكن الصندوق حذر من العجز المالي المتزايد، والديون المقدّرة بنحو 35 تريليون دولار، لأنهما يخلقان مخاطر متزايدة على الاقتصادين الأميركي والعالمي، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التمويل المالي، وزيادة خطر عدم تجديد الالتزامات المستحقة بسلاسة.
ولذا أوصى الصندوق برفع الضرائب للحد من ارتفاع الدين العام إلى مستوى مقلق يبلغ 140 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العقد الحالي. وتأتي نصيحة صندوق النقد خلافاً لخطط المرشحين للانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر المقبل، مع استمرار العجز المالي، والذي بلغ 1.268 تريليون دولار خلال تسعة أشهر من السنة المالية (أكتوبر 2023 – يونيو 2024) والتي تنتهي في سبتمبر المقبل، إذ بلغت الإيرادات 3.754 تريليون دولار، مقابل 5.022 تريليون دولار للنفقات. وساهمت ضخامة تكلفة خدمة الديون نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة إلى 5.5 في المئة، بغية خفض التضخم، بنصيب كبير في زيادة النفقات المتعاظمة.
وإذا كان المرشح دونالد ترامب، يحرص دائماً على تذكير الناخبين بأن خصمه جو بايدن، أشرف على أعلى معدل للتضخم منذ 40 عاماً، فإن معظم الاقتصاديين يعتقدون بأن التضخم والعجز المالي وأسعار الفائدة، ستكون أعلى خلال إدارة ترامب الثانية (في حال فوزه) مقارنةً ببقاء بايدن في البيت الأبيض، وذلك وفق مسح فصلي للمحللين أجرته «وول ستريت جورنال». ويعتقد كبير الاقتصاديين العالميين في مجموعة «التوقعات الاقتصادية»، برنارد بامول، أن هناك خطراً حقيقياً لتسارع التضخم مجدداً في ظل رئاسة ترامب المحتملة. ولم يستبعد أن يدفع ذلك الاحتياطيَّ الفيديرالي إلى رفع أسعار الفائدة.
أما بالنسبة لنصيحة صندوق النقد برفع الضرائب، فإن ترامب يؤيد تمديدَ العمل بقانون العام 2017، والذي ينتهي مفعوله في العام المقبل، وهو يشمل تخفيضاتٍ كبيرةً في الضرائب، وخصوصاً ضريبة الدخل من 35 في المئة إلى 21 في المئة.. بينما يطالب بايدن بإجراء تعديلات على القانون، وبتمديد الإعفاءات الضريبية لدافعي الضرائب الذين يحصلون على أقل من 400 ألف دولار، وزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى، ورفع ضريبة الدخل على الشركات إلى 28 في المئة.. ولكن يبقى القرار متروكاً للكونغرس.
وهذا مع العلم أن مكتب الميزانية في الكونغرس، أفاد بأن تمديد أحكام هذا القانون يمكن أن يضيف نحو 4.6 تريليون دولار إلى عجز الموازنة على مدى العقد المقبل. وتبقى الإشارة إلى أن بعض الخبراء الأميركيين، يستذكرون قول المؤرخ نيال فيرغسون بما سماه قانونه الشخصي للتاريخ قائلاً: «أية قوة عظمى تنفق على أقساط الديون أكثر مما تنفق على الدفاع، لن تبقى عظيمة لفترة طويلة».
فهل ينطبق ذلك على الولايات المتحدة؟ لقد زاد الإنفاق على الفوائد المدفوعة على الدين العام خلال 9 أشهر (وفق أرقام وزارة الخزانة) بنسبة 36 في المئة ليصل 522 مليار دولار، بينما زاد الإنفاق على برامج الدفاع بنسبة 6 في المئة، ليصل إلى 410 مليارات دولار.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية