تسود أسواق النفط معلومات وبيانات متضاربة تعكس حدة الصراع الذي تجاوز حدودَه التجارية والاقتصادية ليدخل في حسابات جيوسياسية مؤثرة جداً، كالعقوبات المفروضة على أكثر من دولة منتجة للنفط، إضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية والصراعات في الشرق الأوسط.

وتتواصل التصريحات والتقارير السلبية الصادرة من وكالة الطاقة الدولية، والتي تعبر عن مصالح الدول المستهلكة، حيث قالت مؤخراً «إن أمدادات النفط ستصل ذروتَها بعد في عام 2030، وإن الطلب على النفط سينخفض بنسبة 25% في نفس العام، مما سيؤدي إلى انخفاض كبير في الأسعار»! كما قللت من ارتفاع حجم زيادة الطلب العالمي على النفط إلى 2 مليون برميل يومياً العام القادم، قبل أن تنخفض الزيادة إلى 800 ألف برميل يومياً فقط عام 2026!

وفي المقابل جاء رد منظمة «الأوبك» و«الأوبك+» سريعاً وواضحاً عبر بيانات مختلفة عن بيانات وكالة الطاقة الدولية، إذ قال هيثم الغيص الأمين العام لمنظمة «الأوبك» بأن «تصريح وكالة الطاقة خطير ولا يستند إلى الحقائق وسيضر بالمستهلكين»، موضحاً الأخطاء التي وقعت فيها الوكالة سابقاً، كتوقعاتها التي قالت فيها، إن الطلب على البنزين سيصل ذروتَه في عام 2019، إلا أن ما حدث هو العكس، إذ وصل الطلب على البنزين إلى مستويات قياسية العام الماضي. وكدليل على ذلك، قال الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً إن «واشنطن مستعدة للسحب من مخزون النفط الاستراتيجي إذا ارتفع سعر البنزين مجدداً»، في حين قال آموس هوكشتاين مستشار الرئيس لشؤون الطاقة إن «الأسعار في محطات الوقود ما تزال مرتفعة للغاية»، مضيفاً: «سنبذل كلَّ ما في وسعنا للتأكد من أن السوق تتلقى إمداداتٍ كافيةً»، حيث يشير ذلك إلى خطأ توقعات وكالة الطاقة الدولية حول ذروة الطلب على البنزين عام 2019 والذي أشرنا إليه آنفاً.

ونظراً لهذه الأهمية، فقد أدرج ذلك ضمن الحملات الرئاسية الأميركية بين الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري»، وذلك بعد أن ارتفع سعر لتر البنزين بنسبة 50% منذ أن تسلم الرئيس بايدن الرئاسة مِن سلفه الرئيس السابق دونالد ترمب.

وفي نفس الوقت قدمت «الأوبك» توقعات مختلفة لحجم الطلب على النفط، حيث أشارت إلى أن الطلب سيستمر بزيادة 3 ملايين برميل يومياً في العام القادم وإلى إجمالي 116 مليون برميل يومياً في عام 2045، ويشير ذلك إلى أن توقعات الوكالة تحمل طابعاً سياسياً بعيداً عن أوضاع السوق والارتفاعات المتواصلة للطلب على النفط، علماً بأنه يمكن أن تؤدي هذه التوقعات إلى نقص في الإمدادات، على اعتبار أن الوكالة أرفقت بتقريرها دعوةً لخفض الاستثمارات في مصادر الطاقة الأحفورية، بما فيها النفط، مما يعني إمكانية تعرض العالم لأزمة طاقة مرة أخرى بسبب تراجع الاستثمارات في مصادر الطاقة التقليدية والتي هي بحاجة إلى فترة زمنية طويلة نسبياً بين الاستثمار وتشغيل وإنتاج الحقول الجديدة. وبالتأكيد، فإن مثل هذه التقارير والتقارير المضادة تترك بعض الآثار على أسعار النفط وتؤدي إلى تقلبات حادة ليست في صالح الطرفين، كمنتجين ومستهلكين، وذلك إلى جانب عوامل أخرى تتعلق بأوضاع الاقتصاد العالمي ومستويات التخزين الاستراتيجي، وبالأخص في الولايات المتحدة.. إلا أن الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء تدرك حقيقة أوضاع أسواق النفط، لذا فإن تقارير وكالة الطاقة الدولية يكون لها تأثير ضعيف ومحدود على الأسعار والتي تدنت مؤقتاً بعد تصريحاتها، إضافة إلى تزامنه مع ارتفاع المخزون الأميركي إلى 76 دولاراً لبرميل خام برنت، إلا أنه سرعان ما ارتد بقوة ليرتفع 4% خلال أسبوع واحد ليصل إلى 82 دولاراً للبرميل وبنسبة 7.9% عن أدنى مستوياته خلال شهر يونيو الماضي، مما يعني أن أسعار النفط سوف تستقر فوق 80 دولاراً للبرميل خلال العام الجاري، حيث توقع «بنك غولدمن ساكس» أن يصل سعر البرميل إلى 86 دولاراً هذا العام، وهي توقعات صحيحة إلى حد بعيد، بدليل أنه تجاوز هذا السعر بداية الأسبوع الحالي.

*خبير ومستشار اقتصادي