بالتعريف الفني الموضوعي، فإن «حزب الله» اللبناني ميليشيا وليس جيشاً نظامياً، ولا حتى حزباً سياسياً. وبالتأكيد لا يحق لـ«حزب الله» أن يقول إنه الدولة اللبنانية، أو يدعي أنه متحدث باسمها إلا إذا ادعى بخار الماء أنه السماء.

لكنه مع ذلك يتصرف، على الأرض، وكأنه الدولة اللبنانية بالفعل. و«حزب الله» ليس الميليشيا الوحيدة في العالم العربي حالياً، بل هناك أيضاً حركات ميليشياوية في فلسطين، والفرع السياسي منها يتصرف منذ سنوات بمنطق سلطة الدولة غير الموجودة حتى الآن. وهو متحالف مع ميليشيا «حزب الله» حالياً، وهما متوازيان لا يلتقيان، إلا أنهما مع ذلك تقاطعا عند نقطة الحرب وحمل السلاح والارتهان لأجندات إقليمية.

وفي العراق، حدّث ولا حرج عن حزمة الميليشيات، إذ منها ما يتبع تنظيم «داعش»، وهي ميليشيا متعددة الرؤوس.. ومنها ما يتبع دولاً وأحزاباً في الخارج لها أجندتها السياسية والعقائدية المرتبطة بأجندات مموليها.

المستوطنون في الأراضي الفلسطينية المحتلة هم فعلياً، وبالسلاح الذي يحملونه، يعدون ميليشيا برعاية اليمين المتطرف يقودهم متشددون تحكمهم عقلية «الهاجانا»، ويصطدمون مع جيشهم «الاحتلالي» بمنطق فرض قوة ميليشيا الاستيطان. وهناك أيضاً ميليشيات أجنبية، يمكن أن تلمس حضورَها بشكل واضح في مناطق عدة من العالم، وخصوصاً في أفريقيا، بما في ذلك منطقة القرن الأفريقي، حيث ما تزال حروب الميليشيات تحصد البشر وتهدد الأمن، كما هو الشأن في شرق أفريقيا، حيث تدور الحروب بين ميليشيا يُعطي بعضُها لنفسه شرعية رسمية، رغم تحالفه مع ميليشيات إرهابية تمارس أبشع أنواع القتل والسلب. وهناك ميليشيات في دول أفريقية تشارك في حروب أفريقيا، وهي ميليشيات قابلة للتطويع الارتزاقي عند أول مَن يدفع المال، أو للتطويع الأيديولوجي المتطرف على يد تيارات داعشية تنتشر بشكل متسارع، وتملك ما يكفي من المال لتنظيم ذاتها من جديد.. وهو خطر تتحدث عنه تقارير دولية كثيرة ولا أحد ينتبه له.

في ليبيا، وبعد اضطرابات «الربيع العربي»، دارت حرب الميليشيات الدموية والمرعبة، والتي روعت البلاد، وقسمتها وقوضت أمنها، كان كل من هذه الميليشيات يسعى لفرض سيطرته واختطاف السلطة والسيطرة على مقارها. وخلال ذلك غاب منطق الدولة، كما حدث في شمال سوريا الذي دمرته حروب الميليشيات التي كانت تتشكل بسرعة ويذوب بعضها بسرعة أيضاً.

أما الدولة السورية فكانت مقيدة بالعقوبات الغربية (الأميركية والأوروبية) منذ سنوات، وهي تحاول إعادة فرض النظام والقانون في كل المناطق. وفي المحصلة، فإن منطقة الشرق الأوسط مكتظة للغاية بالميليشيات والجماعات المسلحة التي تتقاتل وتتواجه وتتنافس على دخول النهائيات التي يُراد لها أن تتجلى في حرب تزيد المنطقة تأزماً وتمزقاً، وفي النهاية لن يربح فيها أحد.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا