في سياق دورها الإنساني والإغاثي الراسخ تجاه الشعب السوداني الشقيق، وقَّعت دولة الإمارات العربية المتحدة، في غضون الأسبوع الحالي، ثلاث اتفاقيات مع منظمات إغاثية تابعة للأمم المتحدة لمواجهة تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان. وتقوم هذه الاتفاقيات على مقاربة قوامها السعي لمساعدة الأشقاء السودانيين جميعاً، دون أي تفرقة بينهم حسب الانتماء السياسي أو العرقي أو المناطقي. فقد وقَّعت دولة الإمارات اتفاقيةً مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لتقديم مساعدات غذائية طارئة للشعب السوداني، بقيمة 25 مليون دولار، سواء داخل السودان نفسه أم في دول اللجوء، وهو ما سيشمل اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم والنازحين داخلياً، والعائدين المتأثرين بالحرب المندلعة منذ إبريل 2023. وسبق هذه الاتفاقية، توقيعُ الإمارات اتفاقيةً مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، تعهدت بموجبها بتقديم نحو 5 ملايين دولار لمعالجة الأزمة الإنسانية في السودان، تُوجَّه نحو مشروع «تخفيف المجاعة في السودان ودعم أصحاب المشروعات الزراعية الصغيرة والأسر الرعوية المتأثرة بالصراع». كذلك وقَّعت الإمارات اتفاقيةً ثالثةً مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، لتخصيص مبلغ 5 ملايين دولار، لدعم صندوق السودان الإنساني (SHF). ولقي هذا التحرك الإماراتي تقديراً دوليّاً كبيراً، عبَّر عنه مارتن غريفيث، وكيل أمين عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، بقوله: «نحن ممتنون للغاية لحكومة وشعب دولة الإمارات على دعمهم السخي بمبلغ 70 مليون دولار أميركي، للمساعدة في إغاثة شعب السودان من خلال الأمم المتحدة، ويمكننا بهذا التخصيص، تعزيز دعمنا المنقذ للحياة للعائلات والمجتمعات المحاصرة جراء الأزمة الإنسانية غير المسبوقة».

وتأتي تلك الجهود ضمن قرار دولة الإمارات، في 17 يونيو الجاري، تقديم نحو 70 مليون دولار، من خلال الأمم المتحدة ومنظماتها لدعم العمل الإغاثي في السودان، وذلك من مجموع 100 مليون دولار تعهدت الدولة بتقديمها خلال مشاركتها في اجتماعات المؤتمر الدولي الإنساني بشأن السودان.

وبذلك ترتفع قيمة مساعدات الإمارات للسودان منذ بدء الأزمة الحالية إلى أكثر من 230 مليون دولار، فيما ترتفع قيمة المساهمات الكلية المقدمة من دولة الإمارات إلى السودان، خلال الأعوام العشرة الماضية إلى ما يزيد على 3.5 مليار دولار. وفي الواقع، فإن هذا الدعم المتواصل من قبل دولة الإمارات للسودان الشقيق، يؤكد نهجها الإنساني الراسخ في الإعلاء من قيمة الحياة الإنسانية، وأولوية الأمن الإنساني في أجندة الاستراتيجيات الإماراتية الإقليمية والدولية.

وعلى المستوى السياسي، تؤكد دولة الإمارات في المحافل الدولية كافة، منذ بداية الأزمة السودانية، الأهميةَ القصوى للتخفيف من وطأة الحرب وتداعياتها على الأوضاع الإنسانية، ولطالما دعت الإمارات إلى ضرورة التوصل العاجل إلى وقفٍ فوريٍّ لإطلاق النار، وهي تجدد في كل المناسبات موقفَها الذي يؤكد بشكل يقيني أنه لا يوجد حل عسكري للصراع، وأنه يتعين على الأطراف المتحاربة العمل لإيجاد حل سلمي للأزمة من خلال الحوار، والتمسك بأهمية ضمان حماية المدنيين والمنشآت المدنية، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، متعهدةً بالعمل مع الشركاء كافة لدعم العودة لمسار العملية السياسية والتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني يُنهي الأزمةَ الراهنة.

ويتوقع الشعبُ السوداني، الذي يرصد كثافةَ التعهدات الإماراتية، استمرارَ هذا الجهد الإماراتي الذي يُترجم إلى خطوات ومقاربات إغاثية، هدفها دعم جهود التصدي للتحديات الغذائية والأمنية والإنسانية والصحية التي يعاني منها نحو 18 مليون سوداني.

وهناك توقعات أممية تفيد بتعرض أكثر من نصف هذا العدد، قبل نهاية العام الجاري، إلى خطر المجاعة الوشيك. وتؤكد كثير من المنظمات الإنسانية والإغاثية أن أوضاع اللاجئين والنازحين في تدهور مستمر، عقب امتداد الصراع إلى المناطق المأهولة باللاجئين في الفاشر وغرب كردفان وسنار، وهو ما قد يمهِّد لتفاقم جديد للأزمة الإنسانية.

وفي ظل هذه التطورات والتعقيدات التي تفاقم الصراع والأزمة الإنسانية في السودان، تأتي أهمية المساعدات الإغاثية التي تقدمها دولة الإمارات، والتي تسهم بلا شك في تخفيف وطأة الحرب الجارية وتداعياتها على الصعيد الإنساني، وتبرهن على أن الأمن الإنساني للسودانيين أولوية لدى دولة الإمارات.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.