عندما كان جورج مارشال ضابطاً شاباً في مشاة الجيش الأميركي في الفلبين عام 1902، كان يقود جنودَه منفردين عبر جدول مائي عندما اكتشف أحدهم تمساحاً. وتسبب ذلك في حالة من الذعر، وخرج الرجال من الماء إلى بر الأمان.
كان مارشال قد تخرج من معهد فيرجينيا العسكري قبل وقت قصير، وكان أصغر سناً من معظم الرجال الذين كان يقودهم. ومع ذلك، وعلى الرغم من قلة خبرته النسبية، كان رده الفوري هو إصدار أمر للجنود بالعودة إلى الجدول. يروي «يوشيا بونتينج» الثالث القصة الكاشفة في كتابه «صنع القائد: سنوات التكوين لجورج سي مارشال».
واستمر بطل هذه السيرة الجذابة والمثيرة للإعجاب في قيادة الحلفاء إلى النصر في الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك، شغل منصب وزير الخارجية ووزير الدفاع، والخطة التي ساعدت في إعادة بناء أوروبا في أعقاب الحرب تحمل اسمه.
وينتهي كتاب بونتينج قبل وقت طويل من تلك الإنجازات، وبدلاً من ذلك يفكر في كيفية نمو مارشال الشاب ليصبح الشخصية الشاهقة التي نتذكرها اليوم. إذ كانت صفاته القيادية، كما تشير حادثة التمساح، واضحة في وقت مبكر. والواقع أن بونتينج يلاحظ أنه منذ أن كان مراهقاً، أظهر مارشال المولود في يونيون تاون بولاية بنسلفانيا عام 1880 عزماً هادئاً ورائعاً. يكتب المؤلف: «لقد بدأ في تنمية نوع من العزلة الروحية، والتحفظ، الذي من شأنه أن يصبح جزءاً ثابتاً من شخصيته البالغة».
كان مارشال طموحاً، لكنه لم يميز نفسَه أكاديمياً. ولشعوره بأن الجيش سيكون أفضل منفذ لمواهبه وقيادته، التحق بمعهد فيرجينيا العسكري، حيث برع في المواضيع العسكرية. ويلخص بونتينج بسرعة أهمية منشورات مارشال المبكرة، والتي شملت، بالإضافة إلى الفلبين، فورت رينو في أوكلاهوما وفورت ليفنوورث في كانساس. ويغطي أطول فصل في الكتاب خدمة مارشال المليئة بالأحداث خلال الحرب العالمية الأولى في فرنسا.
يروي المؤلف الحادثة الشهيرة التي أعقبت تفتيش الجنرال المهيب «جون بيرشينج» للشعبة التي كان مارشال يخدم فيها. قائد قوات المشاة الأميركية، الذي لم يتأثر بما رآه، وبخ الضابط الكبير ويليام سيبرت. ولصدمة الحاضرين، تقدم مارشال إلى الأمام ودافع عن الجنود. وبدلاً من أن يشعر الجنرال بيرشينج بالإهانة من هذا التحدي، فقد أعجب به، واعتمد على مشورة مارشال.
كان مارشال يأمل في قيادة القوات خلال المعركة، لكن مهاراته التنظيمية وتركيزه وانضباطه كانت تعني أن ضباطه القياديين فضلوا وجوده ضمن أركانهم. وكتب لاحقاً عن خدمته في الحرب العالمية الأولى: «يبدو أنني كنت أبتعد أكثر فأكثر عن القتال، وكان من الصعب جداً العمل على خطة ثم عدم الاهتمام بتنفيذها». لقد كان مُخططاً رئيسياً لمعركة غابة أرجون Meuse-Argonne الحاسمة عام 1918.
وقد أدى نجاحها في مواجهة التحدي اللوجستي الهائل المتمثل في نقل 600 ألف جندي إلى تعزيز سمعة مارشال باعتباره «نموذجاً للكفاءة». بعد الحرب العالمية الأولى، رفض مارشال عرض عمل مربحاً من شركة «جي بي مورجان وشركاه»، وبدلاً من ذلك أمضى خمس سنوات كمساعد للجنرال بيرشينج، الذي أصبح بعد الحرب رئيساً لأركان الجيش. كان مارشال يشغل نفس المنصب خلال الحرب العالمية الثانية.
وكان الجنرال بيرشينج، الذي لم يكن يحب المهام الإدارية، يعتمد بشدة على مساعده. وكما يقول بونتينج، فقد كان يضع علامة على الطلبات بنفس التدوين: «الرائد إم، اعتني بالأمر». بسبب طبيعته قليلة الكلام، يمكن أن يكون مارشال بطلاً صعباً لكُتاب السيرة الذاتية. لكن بونتينج نجح في خلق صورة متوازنة.
ويشير إلى أن بطل كتابه يمتلك سلوكاً بعيداً لا يدعو إلى الألفة أو الحميمية. لكنه يلاحظ أيضاً أن «المعاصرين يتذكرون مارشال باعتباره جاداً وطيب القلب، وصارماً في تنفيذ واجباته». ويوضح المؤلف أنه بعد الحرب العالمية الأولى وفي فترة الكساد الكبير، خفّضت أميركا التمويلَ العسكري بشكل كبير.
وينتهي العمل في هذا المجلد قبل وقت قصير من تكليف مارشال بتحويل الجيش إلى القوة البطولية التي من شأنها أن تساعد في تحويل دفة الأمور لصالح الحلفاء. يؤكد بونتينج أن مارشال كان على مستوى الوظيفة القيادية ليس فقط بسبب مواهبه الاستراتيجية والإدارية، ولكن أيضاً بسبب ارتباطه بالرجال الذين كان يقودهم.
ويصفه بأنه «جنرال يفهم تطلعات واحتياجات ونوعية جنوده، من سيعرف ما كان يطلبه منهم، ومن سيشعر، بألمهم وإرهاقهم وخوفهم». كان مزيجاً من المواهب الفطرية والقدرات الشخصية، جنباً إلى جنب مع التجارب المبكرة، وقد ساهم كل ذلك في إعداده جيداً لمواجهة التحديات الخطيرة التي تنتظره.
باربرا سبيندل*
*كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»