لطالما واجهت الولايات المتحدة، المعروفة بقيمها الديمقراطية ونظامها الانتخابي المتين، انقسامات داخلية على مر التاريخ. إلا أن حدة هذه الانقسامات قد تزايدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة وأصبحت أكثر وضوحاً. ومع اقتراب البلاد من انتخابات حاسمة أخرى، تهدد هذه الانقسامات ليس فقط نتائج الانتخابات، بل أيضًا جوهر الديمقراطية الأميركية. أصبح الاستقطاب السياسي اليوم سمة بارزة للسياسة الأميركية، حيث اتسعت الفجوة الإيديولوجية بشكل كبير بين الحزبين الرئيسيين، «الديمقراطيين» و«الجمهوريين».

ويمتد هذا الاستقطاب ليشمل القضايا الثقافية والاجتماعية، مما يخلق هوة متزايدة العمق. ويزداد الوضع سوءاً بسبب protocrisy «الاستبداد»، حيث تُتخذ القرارات لصالح النخبة على حساب عامة الناس. تساهم عدة عوامل في حالة الاستقطاب الحالية، منها تأثير وسائل الإعلام، والتفاوت الاقتصادي، وسياسات الهوية. فقد قامت وسائل الإعلام الحزبية ومنصات التواصل الاجتماعي بتضخيم الانقسامات، ونشر المعلومات المضللة، وتعزيز التحيزات القائمة، مما أدى إلى تفتيت الخطاب العام. أدى التفاوت الاقتصادي إلى تأجيج مشاعر الاستياء وانعدام الثقة بين مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية.

أصبحت قضايا مثل الرعاية الصحية والتعليم والضرائب محور النقاش حول العدالة الاقتصادية والمساواة. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت سياسات الهوية، التي تشمل العرق والجنس مركزية في الخطاب السياسي.

ورغم أهمية هذه القضايا في معالجة الظلم التاريخي، فقد أدت أيضاً إلى تصاعد الصراعات الحزبية. تؤثر هذه الانقسامات الداخلية بشكل عميق على الانتخابات، وتؤثر على سلوك الناخبين واستراتيجيات الحملات الانتخابية، وفي نهاية المطاف نتائج الانتخابات. فيتحرك سلوك الناخبين بشكل متزايد من خلال الولاءات القبلية بدلاً من التفضيلات السياسية. ويميل العديد من الناخبين إلى معارضة الحزب الآخر أكثر من دعم حزبهم.

وقد أدى هذا التعصب الحزبي السلبي إلى إقبال قياسي على التصويت، كما حدث في انتخابات عام 2020، لكنه أدى أيضاً إلى تفاقم التوترات وانعدام الثقة بين المعسكرات السياسية. وقد تكيفت الحملات السياسية باستهداف المؤيدين الأساسيين برسائل مخصصة واستخدام الاستهداف الرقمي لتعزيز المعتقدات والتحيزات الحزبية وزيادة الانقسامات السياسية.وفي مجتمع مستقطب، تتوقف نتائج الانتخابات في كثير من الأحيان على الولايات المتأرجحة والناخبين المتأرجحين. يعد هؤلاء الناخبون، الذين لا يتزايد انتماؤهم إلى أي من الأحزاب بشكل قوي، عاملاً حاسماً في تحديد النتيجة النهائية. ويمكن أن يؤدي التركيز المكثف على جذب هؤلاء الناخبين إلى معارك انتخابية مثيرة للجدل، مما يزيد من توتر النسيج الاجتماعي.

إن الانقسامات الداخلية في الولايات المتحدة تشكل تحديات كبيرة للانتخابات المقبلة ولمستقبل الديمقراطية الأميركية. وعلى الرغم من هذه الانقسامات، تسعى الولايات المتحدة بشدة للحفاظ على مكانتها كقوة عظمى عالمية. يشير التاريخ إلى أن الدول التي تواجه انقسامات داخلية غالباً ما تتعثر في مسعاها. وبالتالي، من المرجح أن تؤثر هذه الانقسامات الداخلية على السياسة الخارجية الأميركية، مما قد يؤدي إلى الفوضى والصراع على المستوى العالمي.

*باحثة سعودية في الإعلام السياسي