أدى ناريندرا مودي اليمين كرئيس لوزراء الهند للمرة الثالثة في حفل أُقيم أمام عدد كبير من الضيوف المدعوين في قصر رئيس الهند الأسبوع الماضي. كما حضر الحفل عدد من زعماء دول جنوب آسيا ودول المحيط الهندي.
ويتألف مجلس الوزراء الهندي الجديد من 71 عضواً، أغلبهم من حزب بهارتيا جانتا. مع احتفاظ وزيرة المالية السيدة نيرمالا سيتارامان ووزير التجارة بيوش جويال بحقيبتهما، أشار رئيس الوزراء الهندي بوضوح إلى المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء أن الأمور تسير كالمعتاد. وظل كبار الوزراء الآخرين أيضاً دون تغيير مع وجود 60 وزيراً من أصل 71 وزيراً من حزب بهارتيا جانتا. وقد عاد كل من وزير الخارجية جايشانكار ووزير الداخلية أميت شاه، ثاني أقوى وزير بعد مودي، إلى حقيبتيهما. ومن الواضح أن رئيس الوزراء رفض تغيير الوضع أو استبدال أي من زملائه من كبار الوزراء. ويشكل مجلس الوزراء الهندي الجديد علامة كبيرة على الاستمرارية مع عودة الكثير من الوجوه المألوفة.
من الواضح أن هذه رسالة من ناريندرا مودي مفادها أنه ستكون هناك استمرارية في ولايته الثالثة. ورغم أن «مودي» قد عاد لولاية ثالثة في السلطة، إلا أن هذه الولاية الثالثة تختلف كثيراً عن ولايته السابقة. ففي عام 2014، وصل إلى السلطة بعد فوز ساحق مُنهيا سنوات من السياسات الائتلافية. وفي عام 2019، عاد بفوز ساحق أكبر. لكن المرة الثالثة أعاد هذه المرة إلى السلطة، ولكن من دون الأغلبية التي اعتاد عليها.
وبدلاً من ذلك، خسر حزب بهارتيا جانتا 32 مقعداً، وفاز بـ 240 مقعداً فقط من أصل 543 عضواً في البرلمان القوي. وبما أنه لم يتمكن حتى من تجاوز حد الأغلبية بمفرده، فإنه يعتمد الآن على الحلفاء للمساعدة في إدارة الحكومة. وسيظل كل التركيز على الحلفاء الرئيسيين حزب «التيلجو ديسم» وحزب «جاناتا دل». وكانت الوزارة الأكثر شهرة التي ذهبت إلى شركائه في الائتلاف هي وزارة الطيران المدني التي ذهبت إلى «رام موهان نايدو» من حزب «التيلجو ديسم»، والذي يصادف أنه أصغر وزير في مجلس الوزراء. ويعتمد «مودي» الآن على حلفائه من أجل البقاء السياسي لأنهم يعوضون الأرقام. الحزب الحاكم فاز في الانتخابات لكنه لم يحقق الأغلبية الساحقة هذه المرة على خلفية مجموعة من العوامل، بما في ذلك القضايا الاقتصادية، مثل البطالة والضائقة الزراعية.
ولهذا السبب، يبدو أن مودي، باستثناء وزارة الطاقة الذرية ووزارة الفضاء، قرر أن يتولى بنفسه وزارة شؤون الموظفين والمظالم العامة. ومن المرجح أن تكون هذه هي مجالات التركيز بالنسبة للحكومة في الفترة الثالثة. ومع إعطاء الحقائب الوزارية العليا فقط للحرس القديم في حزب بهارتيا جانتا، لم يشير«مودي» إلى الاستمرارية في الأجندة الاقتصادية فحسب، بل أيضاً في السياسة الخارجية. إن دعوة «مودي» لزعماء البلدان المطلة على المحيط الهندي وجنوب آسيا لحضور حفل أداء اليمين الدستورية تؤكد التزامه المستمر بسياسة الجوار أولاً. وكان من بين زعماء سبع دول مجاورة الذين حضروا الحفل الرئيس السريلانكي «رانيل ويكرمسينج»، ورئيس جزر المالديف محمد معز ونائب رئيس سيشيل أحمد عفيف ورئيسة وزراء بنجلاديش الشيخة حسينة، بالإضافة إلى رئيس وزراء موريشيوس ورئيس وزراء نيبال ورئيس وزراء بوتان.
والدعوة الموجهة لزعماء دول جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي لحضور حفل تنصيب مودي للمرة الثالثة، تؤكد لنا أنه كلما كانت هناك استمرارية في السياسات الاقتصادية، فستكون هناك أيضاً استمرارية في السياسة الخارجية. وفي السياسة الخارجية، تظل علاقات الهند مع جيرانها تشكل أولوية بالغة الأهمية. في عام 2014، دعا مودي جميع قادة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (SAARC )، والتي شملت أفغانستان وباكستان. ثم في عام 2019، حضر الحفل قادة مبادرة خليج البنغال للتعاون الفني والاقتصادي متعدد القطاعات (BIMSTEC)، بما في ذلك ميانمار وتايلاند. ومن الواضح أن التركيز على الجوار لن يقل في ولاية مودي الثالثة.
ومنطقة جنوب آسيا مهمة بالنسبة للهند في سعيها من أجل دور أكبر في الشؤون العالمية. ورغم أن ولاية مودي الثالثة في السلطة قد تبدو مختلفة من حيث الجوهر، فإن الدلائل المبكرة تشير إلى أنها لن تحيد عن الفترتين السابقتين. وكلما زادت علاقات التعاون التي تتمتع بها الهند مع جيرانها، كلما زاد نفوذها في العالم.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي