تعدُّ اللغة العربية واحدة من أهم اللغات الحية في العالم، وهي لغة لها تاريخ طويل وتأثير كبير في الثقافة والعلم والأدب والمعرفة. وقد شهدت اللغة العربية تطوراً مستمراً على مر التاريخ، بدءاً من الفترة الجاهلية حيث تميزت العربية بالشعر والأدب، مروراً بفترة الخلافة الإسلامية حيث توجّه الانتباه لتقعيد اللغة العربية ووضع قواعدها النحوية، وصولاً إلى العصور الحديثة حيث استطاعت العربية الفصحى التكيف مع مصطلحات العلم والأدب والصحافة والإعلام.

ومع تقدم التكنولوجيا الحديثة وظهور التطبيقات الذكية، يُطرح السؤال الملح حول مستقبل هذه اللغة في ظل وجود الذكاء الاصطناعي. ويجدر بنا أن نلقي نظرةً فاحصةً على تحديات التطور التكنولوجي وتأثيراته المحتملة على بِنية اللغة العربية واستخداماتها مستقبلاً. ما من شك في أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحدياً للغة العربية، وذلك بسبب قدرته على توليد المحتوى الآلي، مما قد يسهم في انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المحرفة ويهدد بإضافة تحيزات جديدة في أساليب التعبير اللغوي.

كما يثير قلقاً بشأن تقليل التفاعل الإنساني والتأثير السلبي على الثقافة والتواصل. وفي ظل هذه التحديات يتعين وضع سياسات واضحة للحفاظ على نقاء اللغة العربية وثرائها. ومع ذلك فوجود الذكاء الاصطناعي يتيح فرصاً جديدة للتفاعل اللغوي والتعلم الآلي، مما يمكن أن يسهم في توسيع قاعدة المستخدمين للغة الضاد وتعزيز استخدامها في مختلف المجالات. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً حيوياً في تعزيز التواصل والتفاهم بين الثقافات المختلفة، وذلك عبر توفيره أدوات للترجمة والتفاعل اللغوي الفوري. وبهذا يمكنه أن يؤدي إلى زيادة التبادل الثقافي وتعزيز التفاهم بين مختلف الثقافات.

كما يمكنه أن يسهم في تحسين تجربة المستخدم عبر الإنترنت والتطبيقات الرقمية باللغة العربية، وذلك عبر تطوير تقنيات التعلم الآلي والتحليل اللغوي الذكي. ومن هنا فبإمكان الذكاء الاصطناعي أن يجعل المحتوى العربي على الإنترنت أكثرَ انتشاراً ودقةً وفعالية، وبالتالي يزيد من جاذبية اللغة العربية ويوسع نطاقَ استخدامها في المجتمع الرقمي. وفي مجال التعليم، يمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حيوياً في تحسين عمليات التعلم وتعزيز فهم اللغة العربية لدى الطلاب، سواء من خلال تطبيقات التعلّم الآلي أو بالاعتماد على منصات التعليم عبر الإنترنت التي توفر محتوى تعليمياً مبتكراً باللغة العربية.

وفي مجالات الإبداع، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في إنتاج محتوى إبداعي باللغة العربية، سواء على هيئة قصص أم شعر أم مقالات.. وهو مما يعزز الهوية العربية محلياً وعالمياً. وإلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفتح آفاقاً جديدة للمبدعين العرب وأن يساعدهم في تطوير أفكارهم وابتكاراتهم في مجالات الطب والأدب والفن والتكنولوجيا. وعلى سبيل المثال يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأفلام والألعاب الرقمية باللغة العربية، مما يعزز التواصل الثقافي والترفيهي داخل المجتمع العربي، ويوفر صِلةً قوية للأجيال الجديدة بلغتها الأم. ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يساعد في فهم أنماط استخدام اللغة العربية على شبكة الإنترنت، مما يساعد على تحسين الخدمات والمحتوى المتاحين باللغة العربية. ورغم كل ذلك فثمة تحديات تواجه اللغة العربية، في مقدمتها التكنولوجيا والتطور الرقمي.. ذلك أن اللغة العربية تواجه صعوبات في التكيف مع التطورات الرقمية والوسائل الجديدة للتواصل. كما يمكن أن يؤدي التأثير المتزايد للثقافات الغربية إلى تراجع استخدام اللغة العربية، خاصةً بين الأجيال الشابة.

وكذلك قد يؤدي توفر الترجمة الآلية إلى إنهاء الحاجة إلى استخدام اللغة العربية في كثير من السياقات الرقمية. وعلى رغم الفوائد الجمة التي يوفرها الذكاء الصناعي في تقوية حضور اللغة العربية، فإنه لا يمكن الاعتماد عليه بشكل تام..

فما فتئ البشر أكثر ذكاءً وأقدر على الإبداع وعلى فهم اللغات وإنتاج المحتوى. وهناك حاجة مستمرة إلى دعم اللغة العربية وتطويرها على نحو دائم، كي تتمكن من التكيف مع التحديات الطارئة وتستفيد من المزايا التي توفرها التكنولوجيا الحديثة. ومع تطور الذكاء الاصطناعي، قد نتوقع له دوراً كبيراً في تعزيز اللغة العربية، وطنياً وعالمياً، كي تساير الفتوحات العلمية والتكنولوجية الجديدة، والتي لا تكاد تقف عند حد.

*كاتب سعودي