تنشط دولة الإمارات في فتح أسواق جديدة حول العالم قادرة على تنمية التجارة الحرة وتبادل المعارف والخبرات، وخلق بيئة استثمارية جاذبة وتنافسية للارتقاء بالاقتصاد من خلال استراتيجية تتمثل في «اتفاقيات الشراكة الشاملة» مع دول العالم المهمة، في حين تتسابق الدول على إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع شركاء أقوياء لتحقيق معادلة الربح المشترك.وتعد التجارة الخارجية أحد أركان الاقتصاد، وفي السنوات الأخيرة حققت الإمارات قفزات في العلاقات التجارية مع العالم، ولاسيما عندما وصلت التجارة غير النفطية للدولة إلى أعلى مستوياتها في 2023، حيث بلغت 701 مليار دولار، بزيادة تصل إلى 12.6%عن عام 2022، و34.7% عن عام 2021، ولذا تعمل الدولة على تحقيق الأهداف الاقتصادية من خلال الشراكات الدولية مع الأسواق الاستراتيجية في العالم، في مسيرة بدأتها عام 2021، في توقيع «اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة» مع دول ذات أهمية استراتيجية مثل الهند واليابان والصين وإندونيسيا وتركيا وكوستاريكا وكمبوديا وجورجيا، ومؤخراً مع كوريا الجنوبية.
إن اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة تفتح الأبواب لطرفيها أمام كثير من المزايا، منها تسهيل الوصول إلى الأسواق الدولية، وتخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية على السلع والخدمات، ما يسهل التجارة بين الإمارات وشركائها، ويفتح الأسواق للمصدّرين والمستثمرين، والتنافس على أسس التجارة العادلة، ويوفر المزيد من الفرص للقطاع الخاص ومجتمع الأعمال في البلدين لنشاط اقتصادي أكثر انسيابية، وتعاون يسهم في الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة زيادة الصادرات والواردات وتحقيق قيمة مضافة لاقتصاد الإمارات وشركائها.
وقعت كوريا الجنوبية والإمارات اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة تتعلق بالتجارة الحرة بين البلدين، لتصبح الإمارات أول دولة عربية توقع اتفاق تجارة حرة مع كوريا الجنوبية، ولمَ لا والبلدان قد وسعا التعاون بينهما في الأعوام الفائتة في الاستثمار والطاقة، بما فيها النووية، والدفاع والتكنولوجيا وتغير المناخ، حتى بلغ حجم التجارة بين البلدين 20.8 مليار دولار في عام 2023، ما جعل الإمارات الشريك التجاري الـ14 لكوريا الجنوبية من حيث أكبر الشركاء التجاريين، واتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بمثابة بداية جديدة من الشراكة والنمو المشترك. وتنبع استراتيجية الإمارات في الشراكة الاقتصادية الشاملة من إيمان بأن النمو الاقتصادي يعتمد على شراكات قوية مع العالم، تُساعد على تقليل الاعتماد على النفط كمحرك رئيس، وتنوع الاقتصاد في مجالات مختلفة، ونمو التجارة غير النفطية وازدهارها، ما يجعل الدولة أكثر مرونة في مواجهة تقلبات أسعار النفط العالمية، ويرفع من مكانة الإمارات في الأسواق العالمية.
تتفاعل الإمارات مع العالم وفي أجندتها تحقيق أهدافها الاقتصادية كأحد محددات علاقاتها مع العالم، والشراكات الدولية أحد أهداف الرؤية الاقتصادية 2030، وضمن «وثيقة الخمسين»، ومن أهم أولويات قيادة دولة الإمارات لبناء مستقبل أفضل للبلاد، إذ تمكّن الشراكات من تنمية الاستثمارات ومد جسور التعاون في القطاعات الاستراتيجية في بيئةً أكثر استقراراً وتدفقًا للاستثمار وتحفيزاً للنمو والاستدامة.
إن أهمية اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل تؤسس مرحلة جديدة ونقطة انطلاق بين الإمارات وشركائها نحو التعاون الاستراتيجي والتكامل، في تعبير عن رسوخ دور التجارة والاقتصاد في ضمان الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي، ورسم المستقبل الواعد للأجيال القادمة، وفتح الآفاق الاستثمارية في عالم لغته المصلحة المتبادلة، لذا فقد أثمرت الاتفاقيات بالفعل عن نتائج إيجابية على الصُّعد السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، ومن المتوقع أن تستمر في إحداث تأثير إيجابي في السنوات القادمة، إلى أن تحقق التجارة الخارجية غير النفطية للدولة 4 تريليونات درهم بحلول عام 2031.
باحث رئيسي*
مدير إدارة الترجمة- مركز تريندز للبحوث والاستشارات