في أغلب الأحيان، يتبنى العاملون في وسائل الإعلام نظرة تبسيطية للاستطلاعات السياسية. وفي عام الانتخابات الرئاسية، يميل الاهتمام إلى التركيز بشكل منفرد على من يتصدر استطلاعات الرأي، ومن يحتل أدنى مرتبة. وفي الواقع، فإن أرقام «سباق الخيل» هذه، رغم أهميتها، غالباً ما تكون الجزء الأقل أهمية في الاستطلاع. لذا، فإن النظر إلى البيانات الغنية التي تشكل الاستطلاع يمكن أن يوفر معلومات أكثر فائدة بكثير، مما يشير، على سبيل المثال، إلى سبب أداء المرشح «أ» أو «ب» بشكل جيد أو سيئ. ويمكن أيضاً أن يكشف التعمق في البيانات عن تنوع السكان الذين يتم استطلاعهم، ومن بين أي فئة من فئات الناخبين يكون أداء المرشحين أفضل أو أسوأ. وأخيراً، إذا تم طرح أسئلة توجيهية، فإن الاستطلاع يمكن أن يوفر أيضاً وسيلة للمرشحين لفهم ما يمكنهم القيام به لتحسين موقفهم. بتجاهل كل هذه الفروق الدقيقة، فإن الصحفيين الذين يكتفون بمجرد الإبلاغ عن النتائج الرئيسية تغيب عنهم النتائج الأكثر قيمة للاستطلاع. وكمثال على ذلك، يمكننا أن ننظر إلى استطلاع مايو 2024 لعينة عشوائية مكونة من 900 ناخب عربي أميركي مسجل في ولايات رئيسية، تمثل التركيبة السكانية للمجتمع. تم إجراء الاستطلاع من قبل شركة أبحاث السوق «جون زغبي ستراتيجيز» لصالح المعهد العربي الأميركي (AAI).
وقد حظي استطلاع المعهد العربي الأميركي بتغطية جيدة، أشارت جميعها إلى أنه في حين تفوق بايدن على الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2020 بنسبة 59% مقابل 35% بين الأميركيين العرب، فإن بايدن يخسر الآن أمام ترامب بنسبة 32% مقابل 18%. كان هذا صحيحا، لكن ما فاتنا هو التفاصيل التي تجعل هذه الصورة أكثر وضوحا.
على سبيل المثال، في حين حصل مرشحو «غير متأكد» (الذين يصوت لهم الناخبون بـ«غير متأكد» ما إذا كانوا يريدون هذا المرشح) ومرشحو الطرف الثالث على دعم أقل من 10% في عام 2020، فإن هذه النسبة ترتفع إلى 50% هذا العام. السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن 40% من العرب الأميركيين يقولون إنهم «غير متحمسين على الإطلاق» للإدلاء بأصواتهم في نوفمبر، في حين أن 21% آخرين «ليسوا متحمسين حقاً» - مما يزيد من نسبة أولئك الذين ليسوا متأكدين لمن سيصوتون (أو إذا كانوا سيصوتون على الإطلاق) في نوفمبر. والأهم من ذلك أن الافتقار إلى الحماس يتجلى بشكل أكثر وضوحاً بين الناخبين «الديمقراطيين»، حيث إن 50% منهم ليسوا «متحمسين على الإطلاق». وهذا هو الحال بالنسبة لـ11% فقط من «الجمهوريين». ويظهر استطلاع المعهد العربي الأميركي أيضاً أن 79% من العرب الأميركيين لديهم وجهة نظر سلبية تجاه الرئيس بايدن، بينما لدى 55% وجهة نظر سلبية تجاه دونالد ترامب.
إن التقييمات السلبية لبايدن مدفوعة إلى حد كبير بـ 56% من «الديمقراطيين» الذين ينظرون إليه بشكل سلبي. ومن ناحية أخرى، فإن أرقام ترامب أعلى لأنه يحتفظ بدعم شبه كامل من أولئك الذين يُعرّفون أنفسهم كـ«جمهوريين». حدثت أهم خسائر بايدن بين العرب الأميركيين بين الناخبين الشباب والمهاجرين - وهما مجموعتان مالتا بشدة في العقود الأخيرة نحو الحزب «الديمقراطي»، ولكن لديهما أيضاً ارتباط ضعيف بهوية أي حزب. إنهم ناخبون متأرجحون كلاسيكيون. ورداً على كل سؤال تقريباً في هذا الاستطلاع، يظهر الاستطلاع أن هاتين المجموعتين هما الأكثر احتمالاً ليس فقط لرفض بايدن، ولكن أيضاً للنأي بنفسيهما عن الحزب «الديمقراطي». السبب البسيط وراء انخفاض أعداد مؤيدي بايدن هو، باختصار، غزة، فعندما تم إعطاؤهم 10 قضايا وطُلب منهم اختيار الثلاثة الأكثر أهمية بالنسبة لهم، اختار 60% منهم الحرب في غزة.
بالإضافة إلى ذلك، يقول 57% إن غزة سيكون لها دور «مهم جداً» في تحديد تصويتهم في نوفمبر. بعد 8 أشهر من الهجوم الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين في غزة، قال 88% من الأميركيين العرب إن لديهم وجهة نظر سلبية حول الطريقة التي تعامل بها بايدن مع الحرب، مع أغلبية ساحقة عبر جميع الأحزاب - مع 87% من كل من «الجمهوريين» و«الديمقراطيين»، على حد سواء، وما يقرب من 90% من المستقلين والذين لا ينتمون لأي حزب لديهم وجهة نظر سلبية. ومثل العديد من الناخبين الآخرين، عارض الأميركيون العرب سياسات إدارة بايدن الداعمة للحرب الإسرائيلية في غزة.
ويظهر استطلاع الرأي الذي أجراه المعهد العربي الأميركي أيضا أنه إذا قام الرئيس، حتى في هذا الوقت المتأخر، بتغيير سياسته بشكل كبير بشأن إسرائيل وغزة، فمن المحتمل أن يستعيد الكثير من الدعم الذي فقده. في سؤالين منفصلين، عندما سُئل عما إذا كان الرئيس سيطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتقديم مساعدات إنسانية دون عوائق إلى غزة أو ما إذا كان سيعلق الدعم الدبلوماسي وشحنات الأسلحة إلى إسرائيل حتى تنفذ وقف إطلاق النار وتسحب القوات من غزة، قال 60% من العرب الأميركيين إنه من المرجح أن يصوتوا لصالح بايدن في نوفمبر. وإذا غيّر بايدن نهجه بشكل كبير، فإن الاستطلاع يظهر أن أرقام مباراة بايدن وترامب يمكن أن تتغير لصالح بايدن، بسبب هذه النتائج المقترنة بتراجع أرقام ترامب منذ استطلاعنا الأخير. يمكن استخلاص ملاحظة أخرى من بيانات الاقتراع من خلال مقارنة النسب المئوية للنتائج في استطلاع المعهد العربي الأميركي هذا مع بيانات الناخبين الفعلية في الولايات الرئيسية.
على سبيل المثال، بالنظر إلى الناخبين الأميركيين العرب في ميتشيجان، عندما نقارن النتائج المتوقعة لهذا الاستطلاع لعام 2024 (ترامب 28% - بايدن 15%) مع أصوات الأميركيين العرب في عام 2020، نرى خسارةً محتملة كبيرة للرئيس بايدن تبلغ 91 ألف صوت في ميتشيجان وحدها. توفر استطلاعات الرأي لمحات عن مكان تواجد الناخبين في أي لحظة. يؤكد هذا الاستطلاع ما نعرفه، وهو أن الرئيس بايدن يخسر الناخبين الأميركيين العرب بسبب سياساته بشأن فلسطين. ويظهر أيضاً أن التغيير الجذري لتلك السياسات يمكن أن يحرك بعض الناخبين.
*رئيس المعهد العربي الأميركي