تواجه الهند موجة حر قياسية، إذ بلغت درجات الحرارة 52.9 درجة مئوية الأسبوع الماضي في العاصمة دلهي، وسط مخاوف متزايدة بشأن الاحتباس الحراري. وقد أصدرت «إدارة الأرصاد الجوية الهندية»، إنذاراً «أحمر» لعدة أجزاء من البلاد، حيث سجلت درجات الحرارة ارتفاعاً بأكثر من 9 درجات مما هو متوقع لهذا الوقت من العام.
وهذا الأسبوع، سجلت أكثر من 37 مدينة في البلاد درجات حرارة أعلى من 46 درجة مئوية. وتعزى ظروف موجة الحر في شمال غرب الهند ووسطها إلى غياب اضطرابات جوية غربية، وحتى المناطق المرتفعة تسجل ظروفاً جوية أكثر دفئاً، إذ يشهد وادي كشمير، الذي يطلق عليه البعض لقب الجنة على الأرض، موجة حر غير مسبوقة حطمت في مايو الماضي الرقم القياسي المسجل في الخمسين سنة الماضية، إذ ارتفعت درجات الحرارة بـ7 درجات فوق المعدل الطبيعي. وتعزى موجة الحر القياسية هذه إلى تضافر مجموعة من العوامل، من بينها تغير أنماط الطقس.
مدينة أوتي، وهي مدينة سياحية تقع على ارتفاع 2240 متراً في جبال غاتس الغربية بولاية تاميل نادو الواقعة جنوب الهند، سجلت في أبريل الماضي 29 درجة مئوية، وهي الأعلى منذ عام 1951. وبالمثل، سجلت ولاية كيرالا، حيث يؤدي هبوب الرياح الموسمية عادة إلى انخفاض درجات الحرارة في شهر مايو، 41.9 درجة مئوية، أي أعلى بـ 5.5 درجة مئوية من المعدل الطبيعي. وتقول «إدارة الأرصاد الجوية» إن الحرارة تعزى إلى ظروف ظاهرة النينو، التي بدأت تتراجع الآن، ووجود أنظمة مضادة للأعاصير تحول دون هبوب الرياح من البحر إلى البر الرئيسي. وتعد النينو ظاهرة عالمية تنشأ عن ارتفاع درجة حرارة المياه السطحية للمحيط الهادي، والتي أدت إلى موجات جفاف في الهند عامي 2014 و2015.
وتأتي موجة الحر هذا العام وسط نشاط سياسي مكثف في وقت يسعى فيه رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه للعودة إلى السلطة لولاية ثالثة في هذه الانتخابات العامة. وقد حمّل سياسيون الحرارة الشديدة مسؤولية عدم إقبال الناخبين بأعداد كبيرة على مكاتب الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات حتى الآن، إذ واصلت درجات الحرارة الارتفاع الشديد في مايو، وهو الشهر الذي كان على أكبر عدد من الناس الإدلاء فيه بأصواتهم.
غير أن ارتفاع درجات الحرارة لا يقتصر على الهند وحدها، نظراً لأنه يرتبط بارتفاع درجات الحرارة عبر العالم. وفي هذا الإطار، وجد تقرير حديث أن العالم شهد 26 يوماً إضافياً من الحرارة الشديدة في المتوسط خلال الأشهر الـ 12 الماضية. وقال التقرير الذي نشره «مركز المناخ» التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر وشبكة «إسناد الطقس العالمي» العلمية، وهي منظمة بحثية غير الربحية، إن درجات الحرارة المتطرفة هذه لم تكن لتحدث لولا التغير المناخي. وأضاف التقرير أن الحرارة هي السبب الرئيسي للوفيات المرتبطة بالمناخ، وأن الاحتباس الحراري يؤدي إلى زيادة وتيرة وشدة الأحداث المناخية المتطرفة حول العالم.
ولإعداد هذا التقرير، تم التركيز على الفترة الممتدة من 1991 إلى 2020 لتحديد أعلى 10 في المئة من درجات الحرارة بالنسبة لكل بلد خلال تلك الفترة. وبعد ذلك، قام معدو التقرير بتحليل درجات الحرارة خلال فترة 12 شهراً إلى غاية 15 مايو 2024 لتحديد عدد الأيام التي شهدت خلال تلك الفترة درجات حرارة ضمن النطاق السابق أو خارجه. ليخلصوا في الأخير إلى أن «التغير المناخي الذي يتسبب فيه الإنسان يضيف - في المتوسط، عبر كل الأماكن في العالم - 26 يوماً من الحرارة الشديدة أكثر مما كان سيحدث من دونه».
هذا الاتجاه ملحوظ أيضاً في الهند، حيث أصبحت موجات الحر متكررة بشكل متزايد بسبب تغير المناخ. ففي الأجزاء الشمالية من الهند، أخذت درجات الحرارة تقترب من 50 درجة مئوية في الأجزاء الشمالية من الهند، وهذا مثال واحد فقط على كيف أخذت درجات الحرارة ترتفع عبر أرجاء البلاد في الآونة الأخيرة. كما باتت أجزاء كثيرة من الهند أكثر عرضة لموجات الحر بسبب موقعها ومناخها.
في الهند، تمتد أشهر الصيف من مارس إلى سبتمبر. وتبدأ الرياح الموسمية في نهاية مايو في ولاية كيرالا الواقعة جنوب البلاد ثم تنتقل عبر البلاد، وتعمل الرياح الموسمية على خفض درجات الحرارة وتوفير المياه عبر البلاد. ولكن في الآونة الأخيرة، أصبحت الرياح الموسمية غير منتظمة. وقد وجد باحثون هنود انخفاضاً بنسبة 11 في المئة على مدى العقد الماضي في الأمطار الموسمية، كما توقعت إدارة الأرصاد الجوية أن تشهد البلاد موجات حر أطول وأشد هذا العام.
موجة الحر ستكون لها كلفة اقتصادية أيضاً. ففي نوفمبر 2020، توقعت دراسة لـ «معهد ماكينزي» أن تؤدي زيادة الحرارة إلى انخفاض عدد ساعات النهار التي يعتبر العمل في الهواء الطلق خلالها آمناً، وذلك بنسبة 15 في المئة تقريباً بحلول 2030 مقارنة بالمستويات الحالية، وهو ما يُتوقع أن يكون له تأثير على الاقتصاد الهندي الذي يعتمد على العمل اليدوي في الهواء الطلق. واعتباراً من 2017، باتت الأعمال المعرضة للحرارة، والتي تشمل مهنا مثل الزراعة، تشكّل حوالي 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتشغّل نحو 75 في المئة من القوى العاملة التي تشتغل في الأماكن المفتوحة.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي