هل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية؟ للإجابة على هذا السؤال تجب العودة لشواهد المتغيرات التي أحدثتها ثورة التقنيات في الاتصالات والبرمجيات والتطبيقات الإلكترونية، ورقمنة الإجراءات الحكومية ووصول رسائل قمة الهرم الحكومي للجمهور بكل سلاسة ويسر والعكس صحيح، وأثر ذلك في أداء الحكومات وإدخال الخدمات الإلكترونية في كل مناحي الحياة، وهو ما عزّز قدرة الحكومات في الاستجابة لاحتياجات مواطنيها والتعامل مع نظرائها من الحكومات وتفعيل دبلوماسية التواصل المرئي عن بُعد، وتحول الدول - غير الديمقراطية بين مزدوجين - لممارسات التشاركية الوطنية الإلكترونية، والتي ستعكس نظمها ثقافة وطموحات وتطلعات ومصالح ما يخدم تلك الشعوب، والتي أراها البديل القادم للديمقراطية التقليدية التي لا تتضمن ممارساتها الاعتبارات المهمة للفوارق الثقافية، وعادات وتقاليد وأساليب عيش الشعوب المختلفة، أي أنها لا تلامس أبعاد الحساسية الثقافية للمجتمعات المختلفة، ولا تعكس سوى قيم أحادية لا يمكن تعميمها كما هي على كافة المجتمعات الإنسانية، وخاصةً بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي سلاحاً للتزييف وخفّض مصداقية أوجه الديمقراطية لمستويات غير مسبوقة.
ولكن ما هو الذكاء الاصطناعي؟ الذكاء الاصطناعي هو التكنولوجيا التي تمكّن أجهزة الكمبيوتر والآلات من محاكاة الذكاء البشري وقدراته في حل المشكلات، ويمكن للذكاء الاصطناعي بمفرده أو بالاشتراك مع تقنيات أخرى مثل: أجهزة الاستشعار وتحديد الموقع الجغرافي والروبوتات، أداء المهام التي قد تتطلب ذكاءً أو تدخلاً بشرياً، وصولاً إلى معالجة اللغة الطبيعية (NLP)، والذي مكّن الذكاء الاصطناعي التوليدي أن يتعلم ويركّب ليس فقط اللغة البشرية، بل أنواع البيانات الأخرى، بما في ذلك الصور والفيديو ورموز البرامج وحتى الهياكل الجزيئية.
إذاً، فإن إمكانية اتخاذ قرارات سياسية من قبل رؤساء الدول والحكومات مبنية كلياً على مقترحات الذكاء الاصطناعي هو أمر مثير للجدل، حيث إن حتى القرار الأكثر عقلانيةً من وجهة نظر الخوارزمية قد يكون خالياً من الأسباب الأخلاقية، أو يتعارض مع الشعارات السياسية للقادة، أو يتعارض مع أهداف الحكومة أو أحكام القانون.
ومن منطلق آخر وبمساعدة الذكاء الاصطناعي، يمكن فهم توجهات القيادات السياسية والعسكرية والأمنية، والاقتصادية والدينية الرسمية وغير الرسمية وتحسين التواصل مع الجهات المستهدفة في الداخل والخارج.
ومن المهم بمقدار استغلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي للكشف عن المعلومات الخاطئة والمضلّلة، وأدوات وسبل التلاعب بالرأي العام وتعرية تلك المحاولات المغرضة. أدوات الذكاء الاصطناعي يتم استخدامها بالفعل لإطلاق حملات التضليل الجماعي ونشر المحتوى المزيف أو حملات مضادة لها، وهو ما يقودنا إلى دمج الذكاء الاصطناعي في الدبلوماسية واعتماد الدبلوماسيين بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتنفيذ السياسة الخارجية، مع مجموعة من الخدمات والعمليات الروتينية التي تفتح آفاق الذكاء الاصطناعي وخاصةً في خدمات القنصليات والسفارات، حيث لا يقوم الذكاء الاصطناعي بأتمتة العمليات الروتينية فحسب، بل يمكنه أيضاً اتخاذ القرارات بدلاً من البشر من خلال تطبيق أنواع مختلفة من تحليلات البيانات.
فقد يتعين على الساسة والدبلوماسيين أن يكونوا مستعدين لاحتمال تسرّب البيانات على شبكة الإنترنت، فضلاً عن التحقق مرة أخرى من المعلومات الواردة، وبناءً على ذلك تساعد التحليلات التنبئية الدبلوماسيين على تحديد الاتجاهات المستقبلية وتوقع التوترات الاجتماعية أو السياسية في البلدان المضيفة، ويمكن أن يكون هذا مفيداً في مساعدتهم على تخصيص اهتمامهم ومواردهم بشكل أفضل، ومكافحة حملات التضليل والتأثير الخبيث بشكل أكثر فعالية.
من جهة أخرى، فالدبلوماسية فن يعتمد على المعرفة والذكاء والخبرة والإبداع. ويجب على الدبلوماسيين التأكد من الحفاظ على كفاءتهم وعدم الوقوع في فخ الاعتماد على تحليلات البيانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي فقط، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفر رؤى لا تقدر بثمن ويدعم عملية صنع القرار بمعلومات موثوقة وسهلة الفهم، لكن لا ينبغي للدبلوماسيين أن يصبحوا تابعين ويعطوا أهمية واعتمادية مبالغاً فيهما لما ينتجه الذكاء الاصطناعي، فالذكاء الاصطناعي لا يفهم معنى ما ينتجه وهنا يكمن الخطر.


*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات