بدعوة من رئيس جمهورية الصين الشعبية تشين جين بينغ، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، بزيارة دولة لجمهورية الصين الشعبية في الفترة من 29 إلى 31 مايو 2024. وتأتي هذه الزيارة استكمالاً لسلسلة من الزيارات السابقة في إطار توطيد علاقات الصداقة المتينة بين دولة الإمارات والصين. المصالح المشتركة المتبادلة بين الدولتين الصديقتين كثيرة جداً وعميقة، وهما تعملان سوياً على تعزيز السلام والأمن الدولي، وعلى تحقيق العدالة والرفاه الاقتصادي لكافة شعوب الأرض. وفي هذه المرحلة من التاريخ البشري تحظى كل من دولة الإمارات وجمهورية الصين الشعبية بأهمية خاصة في مجالات عدة، وتعملان سوياً على تحقيق قدر من المساواة والعدالة الاقتصادية والتجارية بين أمم الأرض وتتشاركان في العديد من الآراء والأفكار والنشاطات والأعمال القائمة في هذا المجال.

وتأتي زيارة رئيس الدولة الحالية في إطار ترسيخ هذا النوع من المصالح والتطلعات المشتركة انطلاقاً من إيمانهما المشترك بأن عدم المساواة القائمة بين شعوب العالم لن يتم احتواؤها في داخل الحدود الوطنية لكل دولة، بل تحتاج إلى العمل من أجلها ونشر ثقافتها من خلال علاقات الدول ببعضها.

الصين هي سوق تبادلية مؤكدة لكل ما يخطر على البال من سلع وخدمات بدءاً بالمواد الخام الأولية، مروراً بالسلع المصنعة والطاقة والخدمات، وانتهاءً بالتكنولوجيا الحديثة والذكاء الصناعي والخبرات الإدارية والمالية. لكن أهم الأمور في علاقة دولة الإمارات بالصين هو تفوقها السريع والمذهل على صعد التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الصناعي. لقد قفزت الصين بتفوقها في هذه المجالات على جميع الدول الأخرى إلى مركز مرموق واصفة المرحلة في شكل نظام عالمي جديد من القطبية الثنائية التي تشاركها فيها الولايات المتحدة الأميركية. لكن هذه القطبية ليست قائمة على أسس تسلح عسكري تقليدي أو نووي، ولكن على أساس من التفوق في مجالات التكنولوجيا الحديثة المتقدمة والذكاء الصناعي.

ويبدو أن من المؤكد أن الصين قد قطعت أشواطاً أكثر تقدماً على هذين الصعيدين من غيرها من الدول العظمى والكبرى. ومن هذا المنطلق تدرك دولة الإمارات بوعي أهمية ذلك، وهي منذ سنوات تعمل على الاستفادة الحقيقية الممكنة من خلال إقامة نمط من العلاقات القوية والمتقدمة مع الصين في كافة المجالات مع تركيز خاص على الصعد التكنولوجية والذكاء الصناعي. وعلى هذا الأساس تعمل القيادة الرشيدة والحكيمة في الدولة من خلال زيارات رئيس الدولة المتكررة لجمهورية الصين الشعبية أن تؤكد للقادة الصينيين جديتها وموضوعيتها في تنمية علاقاتها مع بلادهم.

ما يلفت النظر، هو أن قادة الصين الحاليين أثبتوا قدرتهم وكفاءتهم وإصرارهم على دفع وطنهم وأمتهم بسرعة باتجاه التصنيع أولاً، ثم باتجاه التقدم الضخم في مجالات التكنولوجيا الحديثة المتطورة والذكاء الصناعي والقوة الاقتصادية والتنمية الشاملة وزيادة حجم التجارة الخارجية مع أمم العالم كافة. وإلى أي مدى ترغب هذه القيادات أن تمضي قدماً وتستفيد من التجارة الخارجية لكي تصقل مسارات التصنيع والتنمية أمر واضح ولا غبار عليه، فالسقف لديها مفتوح، لكن يبقى الأمر في يد الأمم الأخرى وكيف يمكن لها أن تستفيد من هذا الانفتاح الصيني الواسع على العالم، لذلك، فإن دولة الإمارات، هي دولة مصممة على الاستفادة من كل ذلك وتعمل على تقوية علاقاتها الشاملة مع جمهورية الصين الشعبية ما أمكن لتحقيق مصالح الطرفين. ما يعزز هذا الطرح أن سياسات الصين الاقتصادية والتجارية قائمة على الاعتماد على الذات، وهذا أمر مفصلي.

إن لسان حال القادة الصينيين يقول بأنهم على صعيد التجارة الخارجية في هذا الزمن لا يوجد قُطر يستطيع تنمية اقتصاده وهو يعيش في عزلة، وكلما نما الاقتصاد كلما زادت حاجته إلى التجارة الخارجية، ودولة الإمارات تعمل وفقاً لهذا المنطق الصحيح في علاقاتها مع الصين.

*كاتب إماراتي