الهند بلد ذو مناخ حار. فعلى سبيل المثال، لا يوجد شتاء في أجزاء كثيرة من جنوب البلاد. غير أنه في الآونة الأخيرة لوحظ أن الحرارة أخذت تشتد في جميع أنحاء البلاد في وقت يؤدي فيه تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد الواقع في جنوب آسيا. ولئن كان التغير المناخي ظاهرة لا تختص بها الهند وحدها، فإن البلاد أخذت تشهد مؤخراً فترات حر أطول. ذلك أن المناطق التي عادة ما تكون باردة أخذت تشهد مناخاً أكثر دفئاً، وهو ما يدفع المزارعين إلى التكيف مع الأنماط المناخية المتغيرة بسبب الأمطار التي باتت تسقط في غير موسمها أو ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات أعلى من المتوقع.
بيد أن ما يحدث في الهند له تداعيات عالمية نظراً للترابط المتزايد للعالم مع الهند، التي تُعد أكبر منتج للبقول وأكبر مصدِّر لمواد غذائية مثل الأرز. ولهذا، فإن أي تأثير مناخي على إنتاج الغذاء في الهند ستكون له أيضاً تداعيات عالمية. فهذا العام، كان شهرا مايو ويونيو الأعلى حرارة في أجزاء كثيرة من البلاد منذ 7 عقود. إذ ارتفعت الحرارة في العاصمة دلهي هذا الصيف إلى 49.1 درجة مئوية. وتُظهر الأرقام التي كشفت عنها الحكومة أن حوالي 150 شخصاً لقوا حتفهم جراء موجة الحر، كما أصيب أكثر من 40 ألف شخص بضربات شمس عبر الهند. ولكن نشطاء يقولون إن الوفيات كانت أعلى من ذلك بكثير، وإن الأرقام التي أعلنتها الحكومة كانت دون الأرقام الحقيقية. 
هذا الأمر ليس حدثا نادراً، إذ تُظهر البيانات أن درجات الحرارة كانت في ارتفاع مطرد خلال السنوات العديدة الماضية، وأن عدد أيام موجة الحر من مارس إلى سبتمبر تضاعف 15 مرة بين عامي 1993 و2022. فوفقاً لدراسة صدرت عن «معهد المشاريع العامة العالمي» و«معهد بحوث النظم البيئية في الهند» بعنوان «إدارة الرياح الموسمية»، فإن أيام موجات الحر الشديد تضاعفت خلال العقد الماضي وحده 19 مرة. وتكشف الدراسة عن أنه كانت هناك على مر العقود زيادة في وتيرة وشدة درجات الحرارة القصوى والتساقطات المطرية. كما تشير إلى أن أكثر من 62 في المئة من المناطق المتأثرة بموجات الحر في الهند خلال الفترة الممتدة من أكتوبر إلى ديسمبر تواجه هطول أمطار غير منتظمة ومفرطة. ويشير التقرير أيضاً إلى أن ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في الغلاف الجوي يزيد من احتمالية حدوث موجات حر على مستوى العالم، لا سيما في المناطق المدارية.
ارتفاع درجات الحرارة في الهند يؤثر أيضاً على المناطق الجبلية التي غالباً ما يلجأ إليها سكان السهول هرباً من الحر. وعلى سبيل المثال، فإن درجات الحرارة في وادي كشمير ما فتئت ترتفع. وقد كان يناير 2024 أكثر شهر جفافاً ودفئاً خلال الـ43 عاماً الماضية. ووفقاً لدائرة الأرصاد الجوية، فقد سجلت سريناغار، عاصمة جامو وكشمير، أعلى درجة حرارة على الإطلاق في شهر مايو واستمرت في الارتفاع ببطء. ووفقاً لدراسة أجريت في 2019، فإن متوسط درجة الحرارة السنوية في كشمير ارتفع بـ0.8 درجة مئوية خلال 37 عاماً، من 1980 إلى 2016. 
وبالنسبة للهند، فإن ارتفاع درجات الحرارة الشديد يشكل أيضاً ضغطاً على أفقر سكانها. فلئن كانت كل شرائح المجتمع تتأثر بتغير نمط المناخ وارتفاع درجة الحرارة في الصيف أو برودة الشتاء، فإن الفقراء هم الذين يتأثرون بتغير المناخ أكثر من غيرهم. فخطط العمل الخاصة بموجات الحر ليس لها أي معنى بالنسبة لأولئك الذين ليست لديهم مساكن مثل المشردين أو أولئك الذين ليس لديهم خيار سوى الذهاب إلى العمل لكسب قوت يومهم. ورغم أن السلطات ناشدت السكان هذا الصيف التوقف عن العمل وإغلاق أماكن العمل لمدة 4 ساعات بعد ظهر كل يوم حينما تبلغ الشمس كبد السماء، إلا أن هذا التوجيه ظل مجرد حبر على ورق. ذلك أن 70 في المئة من السكان العاملين في الاقتصاد الهندي يعملون في القطاع غير الرسمي. وبالتالي، فمن الواضح أن هناك الكثير مما يجب القيام به من أجل حماية الفقراء من تقلبات الطقس المتزايدة.
بيد أن التحدي الكبير الآخر الذي يواجه الهند هو ذاك المتعلق بما سيحدث للإنتاج الغذائي وكيف سيتأثر بتغير المناخ. فقد وجدت دراسة حكومية أنه إذا لم يأخذ المزارعون التغيرات الناجمة عن تغير المناخ في الحسبان، فإن محصول الأرز البعلي من المتوقع أن ينخفض في الهند بنسبة 20 في المئة في عام 2050 و47 في المئة في عام 2080. كما وجدت الدراسة أنه من المتوقع أن ينخفض محصول المروي المسقي بنسبة 3.5 في المئة في عام 2050 و5 في المئة في عام 2080. ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي تغير المناخ إلى انخفاض محصول القمح بنسبة 19.3 في المئة في عام 2050 و40 في المئة في عام 2080. 
ومما لا شك فيه أن التأثير على الأرز ستكون له تداعيات عالمية، رغم أن أي تأثير على إنتاج الغذاء سيكون محسوساً أكثر في البلد الأكبر سكانياً في العالم. ذلك أن الهند هي أكبر مصدِّر للأرز في العالم. ففي عام 2023، صدّرت البلاد 16.5 مليون طن متري من الأرز، وهو أكبر حجم صادرات في العالم. ولئن كانت حصة الهند في سوق الأرز العالمي قد تقلصت بسبب القيود المفروضة على التصدير، فإن تأثير التغير المناخي يمثّل تهديداً مستمراً. ولهذا، فإنه من الأهمية بمكان أن تشرع الهند في التخطيط للتخفيف من أثر التغير المناخي سواء على الفقراء أو على إنتاجها الغذائي. 

* رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي