قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ورعاه، في الثامن والعشرين من مايو 2024، بزيارة دولة استغرقت يومين إلى جمهورية كوريا الجنوبية الصديقة. وأتت تلك الزيارة لتعزيز علاقات الصداقة المتينة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية كوريا الجنوبية، والتي دشنت منذ السنوات الأولى لقيام الدولة الاتحادية.
إن توجه دولة الإمارات في إقامة علاقات متينة مع جمهورية كوريا يأتي من إدراكها لأهمية هذه الدولة على الصعد التنموية والاقتصادية والاستراتيجية.
ومنذ بداية الألفية الثالثة دشنت كوريا الجنوبية سياسة اقتصادية طموحة كانت لها نتائج إيجابية على الدولة والمجتمع دفعت بجمهورية كوريا بقوة نحو الأمام، وأتت نقطة التحول الإيجابي عندما ركزت القيادة الكورية على سياسات الاعتماد الاقتصادي الكامل على الإمكانيات الذاتية للبلاد، وتم تطبيق هذه السياسة بوسائل صارمة على جميع نواحي الاقتصاد الوطني، فكان لذلك نتائجه الإيجابية في تخفيض الدين الخارجي والاعتماد على الدعم والمساعدات والمعونات والقروض الخارجية.
وبالإضافة إلى ذلك تواجد تركز عالي محاربة مواطن الخلل الإداري والاقتصادي والمالي في مؤسسات الدولة والمجتمع، وفي القطاعات الاقتصادية والصناعية والتجارية والمشاريع العامة والخاصة الكبرى.
ومنذ أمد يعود إلى بداية ستينات القرن العشرين عمدت الدولة الكورية الجنوبية على السير وفقاً لخطط سنوية خماسية بدأت الأولى منها في عام 1962 وفق تخطيط اقتصادي تنموي محكم عاد إلى الدولة والمجتمع بفوائد جمة جعلت من الاقتصاد الكوري يحظى بمتانة وصلابة عالية.
وحالياً، يبدي الاقتصاد الكوري الجنوبي نمواً قوياً مضطرداً عالي الوتيرة خاصة منذ بداية عشرينيات هذا القرن في ظل سياسة حكومية قائمة على زيادة إنتاج السلع الصناعية المعدة للتصدير والتقليل من الواردات بكافة أنواعها باستثناء مصادر الطاقة التي تفتقد إليها البلاد كثيراً.
ونتيجة لذلك صادرات السلع التي كانت قبل عقود لا تزيد على عشرات الملايين من الدولارات الأميركية وصلت في السنوات الأخيرة إلى مئات المليارات.
ووفقاً لذلك، خلال الفترة من 2013 إلى 2023 أبدى الاقتصاد الكوري الجنوبي نسباً عالية من النمو تصل إلى 5 بالمائة سنوياً ضمن معدلات النمو الحقيقي، آخذين بعين الاعتبار ما يسود من كساد اقتصادي على المستوى العالمي.
وبهذا يمكن القول بأن كوريا الجنوبية استطاعت خلال عقدين من الزمان اللحاق وتجاوز العديد من الدول التي سبقتها في مجال التنمية الصناعية ومستويات الدخل الفردي بحيث أصبحت عن جدارة من الدول الصناعية الكبرى الجديدة.
بناءً على هذه المعطيات الإيجابية من الطبيعي لدولة الإمارات أن تسعى إلى إقامة علاقات متينة مع جمهورية كوريا، وإلى المزيد من علاقات الصداقة الوطيدة معها، وإلى تحقيق المصالح المشتركة معها.
وتأتي زيارة صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله ورعاه ضمن هذه الأطر، تلبية لدعوة من فخامة رئيس جمهورية كوريا الجنوبية «يون سوك يول».
ومن المعلوم أنه منذ ما يقارب النصف قرن من الزمن تقريباً تحظى العلاقات بين الدولتين الصديقتين بأهمية خاصة واهتمام كبير من قيادة كلا القطرين، وقد اتسمت بتميز واضح ومتانة الشراكات الاستراتيجية والتطور الإيجابي المستمر مرتكزة على صداقة قوية وجهود متصلة تخدم مصالح الدولتين والشعبين الصديقين.
إن العلاقات القائمة حالياً بين الطرفين تقدم نموذجاً حياً يقوم على تعزيز التعاون الدولي في مجالات التنمية الاقتصادية والاستراتيجية الشاملة والتطوير المستمر ومواجهة التحديات الكبرى في عالم من الاضطراب المقلق.
وما يوجد بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا الجنوبية من علاقات متينة وصداقة متميزة يقدم نموذجاً يحتذى به في مجالات التعاون الاستراتيجي والشراكات وتبادل المصالح والخبرات والإمكانيات وأفضل الممارسات المتاحة.
*كاتب إماراتي