بعد فوز باراك أوباما الحاسم في عام 2008، أصبح الاستراتيجيون في الحزب «الديمقراطي» مقتنعين بأن هيمنة حزبهم في المستقبل أصبحت مضمونة، لأن «التركيبة السكانية هي القدر». كان أداء أوباما طيباً بين العديد من المجموعات، ولكن أداءه الحاسم بين الناخبين الشباب، والناخبين السود، واللاتينيين، والأميركيين الآسيويين، والنساء المتعلمات في الجامعات، استحوذ على اهتمام الخبراء الاستراتيجيين. ومع تزايد حصة هذه المجموعات من الناخبين، اعتقد الاستراتيجيون أن التركيز على القضايا الأكثر جاذبية لـ «تحالف أوباما» هذا من شأنه أن يضمن تحقيق الفوز في المستقبل.

وفي السنوات اللاحقة، أثاروا القضايا، ووجهوا توعية واسعة النطاق للناخبين لتنمية هذا التحالف والحفاظ عليه متحداً. وفي هذه العملية، بدا وكأنهم يتخلون عن التواصل مع الدوائر الانتخابية الأخرى، وخاصة الناخبين البيض من الطبقة العاملة، تاركين المجال مفتوحاً على مصراعيه أمام خصومهم «الجمهوريين». وفي الفترة 2008-2009، استغل «الجمهوريون»، الذين حادوا عن مسؤوليتهم عن الركود العظيم، مشاعر عدم الارتياح والتخلي لدى الناخبين البيض. ومن خلال استغلال الاستياء والمخاوف، استخدم الحزب «الجمهوري» العنصرية وكراهية الأجانب سلاحاً في «حركة بيرثر» («أوباما ليس واحداً منا»)، و«حزب الشاي» («أفكار الديمقراطيين حول الحكومة تفيدهم ولا تفيدكم أنتم»).

وفي الانتخابات الثلاثة التالية، خسر «الديمقراطيون»، الذين اعتمدوا على حشد قاعدة «ائتلاف أوباما» الخاصة بهم، أكثر من 1400 مقعد على المستوى الفيدرالي، وعلى مستوى الولايات، الأمر الذي أعطى «الجمهوريين» السيطرة على مجلسي الكونجرس، وأغلبية مناصب حكام الولايات والمجالس التشريعية للولايات. ومن المؤسف أن «الديمقراطيين» لم يتعلموا من تلك الخسائر.

وبعد الانتخابات النصفية عام 2014، قدَّم منظم استطلاعات الرأي التابع للحزب «الديمقراطي» عرضاً متفائلاً على الرغم من العدد المذهل من الهزائم على مستوى البلاد. وأعلن بعض الأخبار الجيدة من عام 2014: لقد حافظ «الديمقراطيون» على ائتلافهم متحداً، وفازوا بأصوات الشباب، والسود، واللاتينيين، والآسيويين، والنساء المتعلمات، لكننا لم نفز بالقدر الكافي منهم. وأوصى الحزب بتخصيص المزيد من الموارد لحث هؤلاء الناخبين على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المقبلة. وقد اعترضت، وقلت إنه كان يتجاهل الناخبين البيض من الطبقة العاملة في بنسلفانيا وأوهايو وميتشيجان وويسكونسن، الذين كانوا دائماً «ديمقراطيين»، والذين تضررت حقوقهم ورفاههم ومستقبلهم على يد «الجمهوريين».

وكان علينا الاهتمام باحتياجاتهم. وكان رده المذهل: «لن نهدر أموالنا على أشخاص لن يصوتوا لنا أبداً». أجبت أنه ليس «إما/أو». يمكننا أن ننتبه لمخاوف ائتلافنا الجديد، وفي الوقت نفسه نضع في اعتبارنا أيضاً احتياجات شركائنا القدامى في الائتلاف. ومع رفض نهج «كلاهما/و»، رددت بأننا لن نصبح حزب أغلبية أبداً، وأننا نقدم هؤلاء الناخبين إلى «الجمهوريين» على طبق من فضة. وظهر دونالد ترامب في الصورة في عام 2016. كمرشح، فهم جو بايدن نهج «كليهما»، وبذل الجهود لاستعادة هؤلاء الناخبين، لكن جهاز الحزب والمستشارين الذين يتقاضون أجوراً لم يحذوا حذوه، حيث خصصوا القليل من الموارد، أو لم يخصصوا أي موارد على الإطلاق للتواصل مع الناخبين من الطبقة العاملة البيضاء، بل وأقل من ذلك لفهم قيمهم واحتياجاتهم. في عام 2001، قمنا أنا وأخي جون بنشر كتاب «ما يفكر فيه الأميركيون العرقيون حقاً»، استناداً إلى استطلاعات الرأي التي أجريناها لهذه المجتمعات.

كان للناخبين العرقيين البيض مواقف تقدمية إلى حد كبير تجاه الحكومة والسياسة الاقتصادية، لكن كانت لديهم مشاعر أكثر دقة حول القضايا الاجتماعية. وكانت أولوياتهم هي دعم التمويل الفيدرالي للتعليم والرعاية الصحية، وخلق فرص العمل. لقد كانوا مؤيدين للاتحاد والمساواة العرقية.

 على الرغم من أن مصالح الناخبين البيض من الطبقة العاملة هي أكثر انسجاماً مع السياسات الاقتصادية والحكومية للديمقراطيين، فإن «الديمقراطيين» وقعوا في فخ «الجمهوريين» - حيث تم التركيز على مكافحة الرسائل «الجمهورية» المتعصبة وغير المتسامحة، وتجاهل المخاوف الاقتصادية للناخبين البيض ومشاعر التخلي، بدلاً من الاهتمام بكليهما.  والآن، تظهر استطلاعات الرأي أن «الديمقراطيين» معرضون أيضاً لخطر خسارة عناصر «ائتلاف أوباما».

ومن خلال النظر إلى الناخبين السود، واللاتين، والأميركيين الآسيويين باعتبارهم كتلة واحدة، يتجاهل «الديمقراطيون» مشاكلهم، ذلك لأن ما يزيد على 15% من الناخبين السود هم من المهاجرين الأفارقة، والعديد من الناخبين اللاتين هم أيضاً من المهاجرين الجدد. وتتوافق مواقف «الديمقراطيين» وقيمهم بشكل أكبر مع المهاجرين العرقيين الأوروبيين الذين جاؤوا في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين. يحتاج الاستراتيجيون «الديمقراطيون» إلى التكيف مع هذه الكتل الانتخابية التي يشكلها المهاجرون بدلاً من المخاطرة بفقدان دعمهم.

وهناك فكرة أخرى: لقد نشأ جيلي، وهو مرتبط بقوة بالهوية الحزبية، ويحكمه سؤال مؤداه:  متى«تنتمي» إلى الأحزاب السياسية. اليوم، كونك «ديمقراطياً» أو «جمهورياً» يعني أن تكون مدرجاً في قائمة البريد الإلكتروني، أو قائمة الخدمات المصرفية عبر الهاتف، ولا تستمع إلا إلى حزبك لجمع التبرعات، أو للحصول على حق التصويت. لقد عانت الهوية الحزبية - خاصة بين الناخبين الشباب والمهاجرين الجدد - وتزايدت أعداد المستقلين والناخبين المتأرجحين. ولهذا السبب أطاح دونالد ترامب بسهولة بقيادة الحزب «الجمهوري»، ولهذا السبب أيضاً قد يواجه «الديمقراطيون» صعوبة في الفوز بالانتخابات بسبب شعارهم: «التركيبة السكانية هي القدر».

*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن