ما فتئت مشاعر الغضب من مقاربة الرئيس بايدن تجاه الحرب بين إسرائيل وغزة، والشرق الأوسط عموماً، تتزايد بين الأميركيين المسلمين والعرب الأميركيين منذ شهور، مما يشكّل تهديداً محتملاً لفرص فوزه في انتخابات نوفمبر المقبل. فقد وجد استطلاع للرأي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» وكلية «سيينا كوليدج»، ونُشر الأسبوع الماضي أن دونالد ترامب يتقدّم على بايدن بنسبة 57-25 بين الناخبين العرب والمسلمين في 5 ولايات متأرجحة رئيسة.
والآن ومع اقتراب موعد الانتخابات، يبحث بعض المتبرعين والناشطين الأميركيين العرب إمكانية ليس فقط عدم الإدلاء بأصواتهم في السباق الانتخابي، وإنما العمل بشكل صريح في اتجاه انتخاب ترامب. وفي اجتماع خاص سيعقد هذا الأسبوع في ميشيغن، سيبذل وكلاء ترامب قصارى جهدهم لإقناعهم بمنحه دعمهم، إذ خططت مجموعة من المتبرعين والناشطين العرب الأميركيين من مختلف أنحاء البلاد للاجتماع أمس الثلاثاء في أوكلاند هيلز بولاية ميشيغن من أجل عشاء خاص بمبادرة من سفير ترامب السابق في ألمانيا ريتشارد غرينل، كما أخبرني العديد من المدعوين. غرينل، الذي رفض التعليق، ليس عضواً رسمياً في حملة ترامب؛ ولكن ترامب أشار إليه مؤخراً باعتباره مبعوثه، ويُنظر إليه على أنه مرشح لمنصب رفيع في الأمن القومي في حال فوز ترامب في نوفمبر المقبل. ومن بين الحضور أيضاً مايكل بولس، زوج تيفاني ترامب (ابنة دونالد ترامب)، ووالده مسعد بولس -- وهو رجل أعمال لبناني كبير. ويُعد هذا العشاء واحداً من العديد من الفعاليات المماثلة التي ينظمها حالياً مساعدو ترامب مع الزعماء العرب الأميركيين في العديد من الولايات المتأرجحة.
غرينل تواصل مع الطبيب يحيى باشا من ميشيغن، وهو واحد من قادة الجالية السورية الأميركية ومتبرع للعديد من المنظمات التي تدافع عن المسلمين، من أجل المساعدة على تنظيم الاجتماع واستضافته، كما أخبرني «باشا» في حوار معه بأنه أقام علاقات مع إدارات «ديمقراطية» و«جمهورية» على مدى السنوات، و لم يختر بعد مرشحه في انتخابات 2024.
إذ قال: «من السابق لأوانه القول إن ترامب هو المرشح المناسب. وهذا هو سبب تنظيمنا لفعالية لممثله، فالهدف هو رؤية كيف ينظر إلى مجتمعنا وما هي الأشياء التي سيفعلها»، مضيفاً « لقد كنتُ آمل في رؤية سياسة أفضل مع إدارة (بايدن)، غير أن ذلك لم يتحقق للأسف».
وينتقد «باشا» على الخصوص سياسات إدارة بايدن في ما يتعلق بفرض عقوبات على سوريا. ولدى المدعوين الآخرين شكاواهم ومؤاخذاتهم الخاصة على سياسات بايدن في الشرق الأوسط، خاصة في ما يتعلق بغزة وإيران؛ ولكن كل من تحدثتُ معهم قالوا إنهم يشعرون بالخذلان من قبل بايدن، الذي قدّم لهم وعوداً حينما ترشح للرئاسة في 2020.
وفي هذا السياق، قال لي «هيثم البزم»، وهو طبيب من بنسلفانيا سبق له أن تبرع لسياسيين من كلا الحزبين ولكنه دعم بايدن في 2020: «إننا سننظّم أنفسنا وسنفعل كل ما في وسعنا مالياً من أجل دعم ترامب»، مضيفاً «ما الذي فعلته إدارة بايدن للمسلمين الأميركيين على أي مستوى؟ الإجابة هي لا شيء».
ويواجه بايدن انتقادات بسبب عدم اجتماعه مع قادة الجالية العربية خلال الأشهر الأولى بعد اندلاع حرب غزة، إذ أرسل مديرَ حملته الانتخابية ثم نائب مستشاره في الأمن القومي إلى ميشيغن مكانه. وعندما دعا بايدن القادةَ المسلمين إلى حفل الإفطار السنوي في البيت الأبيض الشهر الماضي، رفضوا الدعوة وطلبوا عقد اجتماع حول المسائل المتعلقة بالسياسات بدلاً من ذلك. ولكم الأمور لم تسر على ما يرام.
كما أخبرني سام أسعد حنا، وهو ناشط أميركي سوري مقيم في تكساس يخطط لحضور اجتماع ميشيغن، بأنه يعمل على المستوى القواعد الشعبية من أجل حشد دعم أميركي عربي لترامب من خلال برامج تسجيل الناخبين وتثقيفهم في العديد من الولايات المتأرجحة -- والتي فاز بايدن في العديد منها في 2020 بهوامش ضئيلة.
ويقول: «إن ما نشهده الآن في غزة وعبر المنطقة أعادها إلى الوراء لعقود. والجميع يتساءل: كيف يمكننا تغيير ذلك؟ وماذا يمكننا فعله؟»، مضيفاً «ولهذا أصبح الناس اليوم أكثر نشاطاً في دعم إعادة ترامب إلى الرئاسة، وأنا واحد منهم».
والواقع أنه من غير الواضح تماماً أن ترامب سيكون أفضل للأميركيين العرب. فخلال ولايته الأولى، نفّذ العديدَ من السياسات التي أثارت استياء الجالية، بما في ذلك فرض قيود تعسفية على الهجرة من دول ذات أغلبية مسلمة وقطع التمويل عن المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. وهناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأنه سيكون أكثر دعماً للحكومة الإسرائيلية من بايدن. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» أعدّت في 2017 قائمة طويلة بالأشياء السلبية والعنصرية التي قالها ترامب عن المسلمين.
ولكن العديد من النشطاء أخبروني بأن سياسات بايدن سيئة للغاية لدرجة أنه قد يكون من الأفضل لهم المجازفة والمراهنة على ولاية ثانية لترامب. والواقع أن بعض قادة الجالية العربية الأمريكية لطالما دعموا ترامب. إذ يشيرون إلى أنه هو الذي أمر بمهمة قتل قائد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني قاسم سليماني في العراق، ويشيدون بجهود إدارته فيما يتعلق بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي.
وتقول ميساء قباني، وهي طبيبة من بنسلفانيا دعمت ترامب في 2020، وستشارك في اجتماع ميشيغن أيضاً: «بين بايدن وترامب، من الحكمة أن نختار الشخص الذي سيسبب ضرراً أقل لقضيتنا. وبالنسبة لنا، هذا يعني اتخاذ موقف حازم من إيران».
غير أنه من غير الواضح حتى الآن ما إن كان هذا الجهد الفتي لنسج علاقات بين فريق ترامب وقادة العرب الأميركيين سيؤتي أكله. ذلك أن المجتمعين في ميشيغن لا يمثّلون سوى شريحة واحدة فقط من الجالية العربية الأميركية المتنوعة جداً. ثم إن بعض هؤلاء الزعماء والمتبرعين قد لا يدعمون ترامب تماماً، وإنما يسعون فقط لنسج علاقات براغماتية مع الدائرة المقربة من منه الآن تحسباً لفوزه.
غير أن مجرد حقيقة وجود هذه الفرصة لحركة عربية أميركية مؤيدة لترامب يجب أن يكون بمثابة نداء تنبيه لفريق بايدن. فسياسات هذه الإدارة وإهمالها لهذه الجالية تدفع هذه الأخيرة حالياً إلى ذراعي ترامب الممدودتين. والوقت أخذ ينفد بالنسبة له لعكس هذا الاتجاه.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»