كان لدى عشّاق السيارات الصينيين الذين توافدوا قبل أسبوعين على معرض بكين للسيارات - الذي يُعد الأكبر من نوعه في البلاد -- المئات من السيارات الكهربائية الأنيقة وعالية التقنية لاستكشافها من العلامات التجارية الأجنبية والمحلية.
ولكن بينما كانت الحشود تتدفق على المعرض للاطلاع على أحدث الموديلات، من سيارة «بي واي دي سيغل» الأكثر مبيعاً إلى سيارة «شاومي إس يو 7» الرياضية والمزودة بالتكنولوجيا الرقمية المتطورة، كان الحماس تجاه السيارات الكهربائية المحلية في الصين واضحاً لا تخطئه العين.
وفي هذا السياق، قال ينغ تشنغ، وهو عامل بشركة في بكين زار المعرض بنية شراء سيارة عائلية: «إن السيارات الذكية المنتَجة في الصين باتت متطوّرة نسبياً الآن»، مضيفاً «إنني مهتم بالسيارات المزودة بقدر أكبر من الذكاء الاصطناعي».
وأضاف ينغ أنه لا يفكر في اقتناء أي علامات تجارية أجنبية لأن «أنظمة تكنولوجيا القيادة لديها متخلفة نسبياً». 

بشكل سريع صعدت الصين إلى الواجهة، باعتبارها أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، إذ مثّلت نحو 60% من المبيعات العالمية في 2023، مقارنة بـ25% في أوروبا و10% في الولايات المتحدة، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. والعام الماضي، اشترى المستهلكون الصينيون أكثر من 8 ملايين سيارة كهربائية، أي بزيادة قدرها 35% مقارنة مع 2022، ومن المتوقع أن تشكّل السيارات الكهربائية 50% من كل مبيعات السيارات في الصين بحلول 2030.
وبات صانعو السيارات الكهربائية المحليون يهيمنون على السوق الصينية بشكل متزايد ويتسابقون لزيادة صادراتهم حول العالم. ووفقا لبيانات رسمية، فقد ارتفعت صادرات الصين من السيارات الكهربائية العام الماضي بنسبة 77%، لتصل إلى 1.2 مليون سيارة. وتحتل شركة «بي واي دي» التي تتخذ من مدينة شنجن الصينية مقراً لها المرتبة الثانية عالمياً في بيع السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، بعد شركة «تسلا».
غير أن نجاح مصنعي السيارات الكهربائية الصينيين أخذ يثير القلق من احتمال إغراق الولايات المتحدة وأوروبا بالسيارات الكهربائية الصينية الرخيصة - بما في ذلك في فرنسا، التي زارها الزعيم الصيني شي جين الأسبوع الماضي في إطار أول جولة له إلى أوروبا منذ خمس سنوات. وفي محاولة منه لتجنب حرب تجارية، أخبر شي الرئيسَ الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن إنتاج الصين الهائل من منتجات الطاقة الجديدة - مثل الألواح الشمسية والبطاريات والسيارات الكهربائية - يخفّف من حدة التضخم ويساهم في جهود التحول الأخضر الدولية من أجل سياسات أكثر استدامة.
ومن أجل الابتكار والتقدم في السوق الصينية شديدة التنافسية، تتعاون «فولكسفاجن» وشركات سيارات أجنبية أخرى بشكل متزايد ليس فقط مع مصنعي السيارات الكهربائية المحليين، ولكن أيضاً مع شركات التكنولوجيا الصينية. وفي هذا السياق، حصلت شركة «تسلا» الشهر الماضي على موافقة بكين من أجل إطلاق برنامجها للقيادة الذاتية في الصين باستخدام نظام الملاحة الذي توفّره شركة محرك البحث الصيني الكبيرة «بايدو». كما تعمل «تويوتا» مع عملاق وسائل التواصل الاجتماعي الصيني «تنسنت» على إدخال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية إلى السيارات الكهربائية.
«فولكسفاجن»، التي لطالما هيمنت على سوق السيارات الصينية، رأت حصتها تتقلص خلال السنوات الأخيرة. وعلى هذه الخلفية، تعاونت مع شركات صينية تصنع البرمجيات والذكاء الاصطناعي والمركبات الكهربائية عالية التقنية في محاولة لاستعادة حصتها في السوق. 
ويقول المدير التنفيذي لشركة «فولكسفاجن أوتوموتيف كومباني» (آنهوي) إيروين جباردي: «إن فولكسفاجن ترغب في أن تظل الشركة الدولية الأولى (الشركة المصنعة للمعدات الأصلية) في هذا البلد».
غير أنه من غير الواضح بعد ما إن كانت ما شركات السيارات الأجنبية ستكون قادرة على صدّ هجمة السيارات الكهربائية صينية الصنع.
الحكومة الصينية وجّهت لقطاع السيارات الكهربائية المحلي ما يقدر بنحو 173 مليار دولار من الإعانات، وغيرها من أشكال الدعم خلال الفترة من 2009 إلى 2021، وذلك في إطار سياسة صناعية تهدف إلى الهيمنة على التكنولوجيا المهمة، وفقاً لبحث لسكوت كينيدي من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن.
وقد أتاحت هذه السياسة لصانعي السيارات الكهربائية الصينيين تقدماً كبيراً على منافسيهم الأجانب، ولكنها أدت أيضاً إلى تشوّهات وانعدام الفعالية في السوق، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة هائلة في الطاقة الإنتاجية في مجال مزدحم يضم حوالي 200 منتج، مما تسبب في حرب أسعار متواصلة إلى الآن أفضت إلى انخفاض أسعار السيارات الكهربائية منذ 2022.
وهذا سبب رئيسي لخلافات تجارية متزايدة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي أطلق في أكتوبر الماضي تحقيقاً بشأن استفادة شركات صينية للسيارات الكهربائية من الدعم، 
ويرى ليو من شركة «جي دببليو إم» أن الرسوم الجمركية الغربية المحتملة تمثّل «تحدياً كبيراً». وعلى غرار صانعي سيارات كهربائية صينيين آخرين، يقول إن شركة «جي دبليو إم» تتطلع إلى بناء منشآت جديدة للإنتاج خارج الصين بهدف تجنب الرسوم الجمركية. ويقول: «نستطيع بناء مصنع محلي في أوروبا في المستقبل»، مضيفا «هذا هو الخيار الوحيد تقريبا».
وفي هذا الصدد، قال وزير المالية الفرنسي برونو لومير للصحافيين، أثناء بدء الرئيس شي زيارته إلى أوروبا، إن شركة «بي واي دي» ستكون محل ترحيب لفتح مصنع لها في فرنسا. غير أن كلا من ماكرون وفون دير لاين أكدا لشي أن أوروبا تسعى وراء تجارة عادلة مع إمكانية وصول متبادلة إلى الأسواق.
وبعد الاجتماع، نقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن فون دير لاين قولها إن أوروبا «لن تتوانى عن اتخاذ القرارات الصعبة اللازمة لحماية اقتصادها وأمنها». 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»