قامت دولة الإمارات بحراك دبلوماسي وسياسي حثيث، منذ ترشحها للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، حيث سعت داخل المجلس وخارجه لدعم القضية الفلسطينية. ثم بصفتها رئيسةَ المجموعة العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قدّمت مشروعَ القرار الذي ينص على أهلية دولة فلسطين لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وذلك خلال جلسة استثنائية للجمعية، تم فيها التصويت على مشروع القرار بأغلبية كبيرة لصالح قبول منح دولة فلسطين العضويةَ الكاملة، ومن ثم تقديم توصية لمجلس الأمن بإعادة النظر في طلب دولة فلسطين نيلَ العضوية، معتبرةً القرارَ خطوةً تاريخيّةً على طريق السلام وتحقيق «حل الدولتين».
ولاقى قرارُ الجمعية العامة ترحيباً عربياً ودولياً واسعاً، وسط دعوات لمجلس الأمن بالاستجابة للقرار، لا سيما أنه ينسجم مع القانون الدولي، إذ أوصى بـ«أن يعيد مجلس الأمن النظر بشكل إيجابي في المسألة، على ضوء هذا القرار وفتوى محكمة العدل الدولية المؤرخة في 28 مايو 1948، وبما يتفق تماماً مع المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة».
وفي السياق ذاته، عملت دولة الإمارات بريادة عميد دبلوماسيتها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية على نزع الشرعية عن أي خطوات تتخذها إسرائيل فيما يتعلق باليوم التالي للحرب التي تشنها في قطاع غزة أو تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام. ومن هنا جاء استنكار سموه لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن دعوة دولة الإمارات للمشاركة في إدارة مدنية لقطاع غزة القابع تحت الاحتلال الإسرائيلي، وشدد سموه على أن نتنياهو لا يتمتع بأي صفة شرعية تخوله اتخاذ هذه الخطوة، مشيراً إلى أن دولة الإمارات ترفض الانجرار خلف أي مخطط يرمي لتوفير الغطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة.
وفي إطار الدبلوماسية الاستباقية الرفيعة وذات النظر البعيد، التي تنفتح على الرؤية المعتدلة داخل النظام السياسي الإسرائيلي المغايرة لتوجهات الحكومة اليمينية المتشددة برئاسة نتنياهو، كان استقبال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان لزعيم المعارضة الإسرائيلية «يائير لبيد» في أبوظبي خطوةً أخرى نحو استغلال التباينات داخل المجتمع الإسرائيلي وتوظيفها لصالح الفلسطينيين. وهذا ما يؤكد على موقف دولة الإمارات، الأخلاقي والقومي، تجاه القضية الفلسطينية.
وسيمنح قرارُ الجمعية العامة للأمم المتحدة دولةَ فلسطين فرصةً للمشاركة بشكل متساوٍ مع باقي الدول الأخرى في الأنشطة والمبادرات داخل الأمم المتحدة ومنظماتها.. وهو ما يجسد تأكيداً لالتزام دولة الإمارات تجاه شعب فلسطين، إذ تعمل دبلوماسيتها الدولية بشكل متوازٍ مع مسار المساعدات الإنسانية عبر الإسقاط الجوي، واستمرار المساعدات الطبية من خلال المستشفى المتنقل في غزة وكذلك نقل الأطفال المصابين والمرضى وذويهم للعلاج في الإمارات.
ما هو جوهري في الخطوات المقبلة أنه يتطلب عملاً سياسياً ودبلوماسياً فلسطينياً نشطاً، تتمثل ركيزتها في التفاف النخبة السياسية الفلسطينية حول قيادتها، على نحو مقبول لدى الشعب الفلسطيني ويحقق وحدة بيته الداخلي، للخروج بموقف موحد تجاه قضيتهم ووطنهم، كي تسمو على كل المسائل الحزبية والفصائلية، لأن المرحلة المقبلة تتطلب العملَ السياسي الجاد، حيث لا مكان للمزايدات والشعارات، بعد أن كسبت القضيةُ الفلسطينية الرأيَ العام العالمي، وهو مكسب يجب الحفاظ عليه وتطويره إلى فعل سياسي لصالح القضية الفلسطينية.

*سفير سابق