ما يحدث في الولايات المتحدة الأميركية من مظاهرات واستقطاب يستوجب تفحص ما يجري في الجامعات الأميركية، وحقيقة لا تشكل تلك المظاهرات اهتماماً كبيراً بالنسبة لي، بقدر ما لاحظته خلال زياراتي المكثفة للجامعات في السنوات السابقة من هيمنة سائدة للأساتذة التقدميين، خصوصاً في المؤسسات الرائدة والمعروفة باسم Ivy League Schools. ويؤثر دور هؤلاء الأساتذة، الذين ينتمون إلى التوجهات اليسارية الأيديولوجية، إلى تشكيل الخطاب الأكاديمي وتحديد أجندات البحث، ويتجاوز تأثيرهم الفصول الدراسية ليطال المناهج والسياسات الدراسية.
وبعد الاستماع إلى هؤلاء الأساتذة في العديد من اللقاءات، أثارت مخاوفي بشأن الأيديولوجيات التي ينشرونها بين الطلاب، ولا سيما بين الطلاب المبتعثين من دول الخليج.أحد الجوانب الملحوظة لتأثير الأساتذة التقدميين هو موقفهم العدائي تجاه بعض دول الخليج، بالمقارنة مع ترددهم في انتقاد الأنظمة الثيوقراطية غير العربية. يعود هذا المعيار المزدوج الملحوظ إلى دوافع أيديولوجية، حيث يعتبر هؤلاء الأساتذة أن دول الخليج، مرتبطة بشكل وثيق بالسيادة البيضاء المهيمنة white supremacy، بينما ينظرون إلى دول أخرى على أنها كيانات مستضعفة ومظلومة تحت وطأة الهيمنة الغربية.
وغالباً ما يؤدي هذا النهج الأيديولوجي إلى انتقادات شديدة للحريات السياسية وسجلات حقوق الإنسان في دول الخليج، في حين تتلقى دول أخرى معاملة أقل تدقيقاً. وعموماً، يميل الأساتذة التقدميون إلى دعم الأنظمة الثورية والهجوم على الأنظمة التطورية، كما يتجلى ذلك في حكم دول الخليج. نجد هؤلاء الأساتذة التقدميون غالباً في أقسام العلوم الاجتماعية والإنسانية، حيث يدافعون عن الأيديولوجيات التي تعزز العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الإنسان باستنادهم إلى النظريات النقدية، ينتقدون هياكل السلطة السائدة ويتحدون الروايات المفروضة، مؤكدين على ضرورة سماع الأصوات المهمشة.
غالباً ما تتجلى هذه الأطر النظرية في أبحاثهم، والتي قد تشمل أحياناً التعاون مع طلاب من دول الخليج كمشاركين ومؤلفين. ونظراً لهذه المخاوف المتزايدة، فمن الضروري أن تقوم دول الخليج بمراجعة المناهج الدراسية المُقدمة في الجامعات الأميركية، والتركيز بشكل خاص على التصدي للنظريات المتحيزة والمؤدلجة.
ونظراً للانقسام الواضح داخل الجامعات الأميركية، فإن من الأمثل توجيه الابتعاث نحو تخصصات مثل العلوم والتكنولوجيا، مع الحذر من الابتعاث في المجالات الاجتماعية والإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بمنح الأولوية لفرص المنح الدراسية لطلاب الدراسات العليا، حيث إنه من المرجح أن يكون لديهم نضج أكبر وقدرة أكبر على التمسك بالهوية الوطنية وكيفية التعامل مع التفكير النقدي، مما قد يقلل من تأثرهم بالتيارات الأيديولوجية.
ومع استمرار تنامي تأثير الأساتذة التقدميين داخل الجامعات الأميركية، يصبح من الضروري بشكل متزايد على دول الخليج تكثيف جهودها في مراقبة هذه المؤسسات، خصوصاً فيما يتعلق بالابتعاث. فبالطبع، لا نرغب في أن تدفع دول الخليج ثمناً مالياً أو سياسياً عن طريق دعم تعليم قد ينحاز ضدهم.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي.