يتنامى يوماً بعد يوم الحديث عن «الذكاء الاصطناعي»، وما يمثله من أهمية في العديد من مجالات الحياة المعاصرة. ولعل أكثر ما تخشاه شريحة كبيرة من أفراد المجتمعات هو ما يتم تداوله من آراء تتوقع أن يكون الذكاء الاصطناعي في طريقه إلى أن يحل محل الإنسان في العديد من المهن. فالذكاء الاصطناعي الذي يجمع بين ثلاثة تخصصات، هي الرياضيات وعلوم الحاسب الآلي والعلوم النفسية واللسانية، يهدف بصورة عامة إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما مساعدة البشر في حياتهم، إلى جانب تقليد السلوك البشري من خلال تقنيات مختلفة وذلك بتمكين أجهزة الحاسب الآلي والآلات الذكية من محاكاة قدرات الإنسان وخاصة في مجال حل المشكلات.
ويشمل الذكاء الاصطناعي التعلمَ الآلي والتعلم العميق، وبشكل عام فهو يركز على هذين المجالين بالاعتماد على تطوير الخوارزميات كما هو الشأن بالنسبة لعمليات صنع القرار في الدماغ البشري، والتي يمكنها «التعلم» من البيانات المتاحة وإجراء تصنيفات أو تنبؤات أكثر دقة بمرور الوقت لتنفيذ العمليات الفكرية المميزة للبشر، مثل القدرة على التفكير، واكتشاف المعنى، والتعميم، والتعلم من التجارب السابقة.
وقد وصلت بعض برامج الذكاء الاصطناعي إلى مستويات أداء مهام محددة مثل التشخيص الطبي، ومحركات البحث الحاسوبية، والتعرف على الصوت وعلى الكتابة اليدوية، علاوة على روبوتات الدردشة. لكن رغم هذا التطور الهائل فإن بعض التقارير تشير إلى أنه لا توجد حتى الآن برامج ذكاء اصطناعي يمكنها أن تضاهي القدرةَ البشرية الكاملة في مجالات أوسع أو في المهام التي تتطلب الكثير من المعرفة اليومية، وخاصةً مع تزايد المشاكل التي تواجه مجال الذكاء الاصطناعي، مثل الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، والجانب الأخلاقي في استخدام الذكاء الاصطناعي، والعواقب الاجتماعية والاقتصادية لاختفاء وظائف كان يشغلها البشر.
وتؤكد مؤسسات أكاديمية وبحثية عالمية أن الذكاء الاصطناعي سوف يساهم في نشاط اقتصادي عالمي إضافي يبلغ حوالي 13 تريليون دولار بحلول عام 2030، وأن تطوره سوف يجعله يحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل، كما سيقوم بربع مهام العمل في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا بشكل خاص. وبحلول ذلك التاريخ، كما تشير بعض الدراسات أيضاً، فقد يحتاج ما لا يقل عن 14% من الموظفين على مستوى العالم إلى تغيير حياتهم المهنية بسبب التقدم في مجال الرقمنة والروبوتات والذكاء الاصطناعي. ومن الوظائف المعرّضة للتحول نحو الذكاء الاصطناعي بالكامل خدمة العملاء والاستقبال والمحاسبين ومندوبي المبيعات والعاملين في مجالات البحث والتحليل والمستودعات والتأمين والبيع بالتجزئة.. إلخ. أما المعلمون والمحامون والقضاة والجراحون والأطباء النفسيون ومحللو أنظمة الحاسب الآلي والفنانون والأدباء وأعضاء مجالس الإدارات والمديرون التنفيذيون ومديرو الموارد البشرية.. لا يتوقع استبدالهم بالذكاء الاصطناعي في المدى المنظور.
وفي المُجمل، فإنه لا توجد أية مؤشرات على تباطؤ جهود تطوير برامج الذكاء الاصطناعي على كافة المستويات، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان اتخاذ إجراءات وتدابير احترازية أو وقائية لتجنب النتائج الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية السلبية لتلك البرامج على المجتمعات بصورة عامة. وبالتالي فالمسؤولية تقع بالكامل على الحكومات لإصدار التشريعات المناسبة لحماية مجتمعاتها واقتصاداتها من أي آثار سلبية ناتجة عن استخدامات الذكاء الاصطناعي.

*باحث إماراتي