يربط المشروع الإقليمي الضخم «طريق التنمية» البصرة في أقصى جنوب العراق عبر ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي، وصولاً إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، بامتداد داخل العراق عبر الطرق البرية وخط للسكك الحديدية لنقل البضائع في وقت قياسي، وتوفير فرص التكامل الإقليمي القادرة على تحسين الظروف الاقتصادية لبلدان المشروع، وتسهيل حركة التجارة، وتقليل الحواجز التجارية، وتعزيز التعاون الإقليمي.في أولى الخطوات العملية لتنفيذ مشروع «طريق التنمية»، وقّعت الإمارات والعراق وقطر وتركيا مذكرة تفاهم، لتطوير علاقات التعاون الإقليمي والدولي، من خلال طريق جديد يفتح المجال أمام الحركة التجارية، ويوفر البديل لطرق تواجه تهديدات أمنية وعقبات لوجستية في المنطقة، ومن هنا كان اعتماد «طريق التنمية» بين تركيا وأوروبا شمالاً، والخليج العربي جنوباً، على الطرق البرية وخط للسكك الحديدية، ويمتد من العراق إلى تركيا وموانئها لمسافة 1200 كيلومتر حتى ميناء مرسين التركي على البحر المتوسط، بميزانية تصل إلى 17 مليار دولار، ويعمل على توفير فرص عمل لنحو مليون شخص.
من شأن الممر الجديد أن يزيد من التجارة الدولية، وييسر النقل والتجارة، ويوفّر طريق نقل تنافسيّاً جديداً، وهو مشروع ليس في جانب منفصل عن اقتصاد الممرات في المنطقة، ومن الوارد أن ينسِّق «طريق التنمية» مع مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، فطريق التنمية شريان جديد بإمكانات هائلة في تعزيز التجارة الإقليمية، ومن المرجح أن يقلل تكاليف الشحن ووقت النقل بين آسيا وأوروبا، ويفتح أسواقاً جديدة للمنتجات العراقية والتركية والخليجية. ويساعد «طريق التنمية» في تحفيز النمو الاقتصادي لدول المشروع وتنويع اقتصاداتهم، بتشجيع الاستثمار في البنية التحتية والنقل واللوجستيات، وهو ما يسهم في تحسين مستويات ونوعية المعيشة وتحقيق الازدهار لدول المنطقة، فالمشروع لا تقتصر أهميته على الناحية الاقتصادية، سواء في التبادل التجاري أو اختصار المسافات وتقليل التكلفة، بل إنه جسر وممر استراتيجي وخط لوجستي عالمي تنافسي يكرس التنمية المستدامة، ويعزز العلاقات بين دوَل الإمارات وقطر وتركيا والعراق.
إن مشاركة دولة الإمارات في المبادرات التنموية العالمية هي استراتيجية تتكامل عناصرها بهدف التنمية، خصوصاً في «مبادرة الحزام والطريق» و«الممر الاقتصادي» بين الهند والخليج العربي وأوروبا، ومؤخراً «طريق التنمية»، إذ تُرسّخ المبادرات مكانة الإمارات كنقطة اتصال استراتيجية بين دول قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، والوقوف إلى جانب دول الإقليم، وتوفير محفزات التكامل الاقتصادي لدول الشرق الأوسط، وفتح الباب أمام فرص الاستثمار في مجالات النقل واللوجستيات، ولعل تطوير مجموعة «موانئ أبوظبي» لتوسعة ميناء «الفاو الكبير» هدفه تنمية هذا القطاع في العراق، وبناء التعاون الاقتصادي مع بغداد.
ويمكن أن يتحول «طريق التنمية» إلى شريان حيوي للاقتصاد العراقي، من خلال إنشاء مدن صناعية ومدن سكنية تحيط بالطرق البرية، وانضمام الإمارات وقطر إلى المشروع -إضافة إلى أنه نابع من التقارب أكثر مع العراق وتركيا- هو تأسيس لفكرة تعدد الممرات لنقل البضائع بين مناطق العالم، ووصول الصادرات إلى أوروبا، خصوصاً أن الإمارات تعد مركزاً لوجستيّاً عالميّاً، وقطر تريد تعدد طرق تصدير الغاز إلى العالم.
إن تعدد الممرات يعطي الفرصة للتكامل وليس التنافس، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يخلق فرصاً تجارية جديدة، ويزيد حجم الاستثمارات الأجنبية في البنية التحتية والمشروعات المتعلقة بالنقل والتكنولوجيا، ويخلق فرص عمل تُسهم في الاستقرار وبناء الثقة بين دول الإقليم، فالتنمية أساس الاستقرار والرفاهية للشعوب.
ريم الكندي -باحثة/ رئيسة قسم التطوير والتأهيل- مركز تريندز للبحوث والاستشارات