روى لي الدكتور أحمد زويل وقائع حضوره مع نخبة من العلماء لحظة هبوط أول مركبة على سطح المريخ، وبعد الحديث الشيق عن لحظات الانتظار المفعمة بالقلق والرجاء، ثم التصفيق الحادّ بعد النجاح التاريخي.. رحتُ أبحثُ عن تلك اللقطات، وقد هالني ما رأيت.
تذكرتُ ذلك المشهد في أثناء زيارتي ولاية فلوريدا الأميركية قادماً من العاصمة واشنطن، وبينما كنتُ أقطع الطريق من مدينة أولاندو إلى كيب كانافيرال حيث مركز كينيدي للفضاء، كان كل ما قرأتُ عن وكالة «ناسا» يتزاحم في ذاكرتي.
في ولاية فلوريدا زرتُ منطقة رائعة يقصدها المتقاعدون تدعى «فيليدجز»، وشاهدتُ رغبة البقاء وبهجة الحياة لدى كل من قابلت. وفيها أيضًا تأملت تلك البراعة التسويقية المدهشة على جانبي ممشى «ديزني سبرنغ»، حيث كان عدد كبير من زوار ديزني لاند في أولاندو يرتدون شعاراتها، وفي الممشى كانت المحلات تبدع في ابتكار هدايا تذكارية لعدد من أفلام هوليوود الشهيرة، وعدد آخر من معالم ديزني وألعابها الشهيرة.
قال لي بعض من التقيت على الطائرة.. إنهم لم يذهبوا إلى ديزني هذه المرة، وفضلّوا قضاء إجازة على شواطئ ميامي، وذهب بعضهم إلى رحلات في الكاريبي قبل العودة إلى فلوريدا من جديد.
لا شئ من ذلك كله: السفن السياحية الضخمة التي تشق المحيط إلى أرخبيل الجزر، ولا الاسترخاء في منتجعات حدائق البرتقال، ولا صخب ديزني ومغامراتها، ولا سواحل فلوريدا على شاطئ الأطلسي أو خليج المكسيك، ولا ذلك العدد اللانهائي من البحيرات والأشجار.. كان جذاباً بقدر ما كان مركز كينيدي للفضاء بوكالة «ناسا».. إنّه الأروع بلا منافس.
وصلتُ إلى جزيرة ميريت بصحبة الكاتب الصحفي الأستاذ محمد المنشاوي، وفي الجزيرة يقع مركز كينيدي. وجدتُ عند المدخل شعار ناسا الشهير، وصخوراً من القمر، وصواريخ فضائية تجذب الأنظار، وسياحاً من كل الأعمار جاءوا لزيارة مجمع الزوار الذي افتتح عام 1971.
يإلهي.. إن المكان يتمدد نحو اللانهاية، هكذا يبدو مركز كينيدي عند الوصول إليه، وهو كذلك بالفعل إذْ يمتدّ على مساحة تقارب (600) كم2.
أول ما يلفت الانتباه لافتة عند المدخل تقول: توجد هنا تماسيح وزواحف، وبعدها بقليل تحذّر لافتة أخرى من لمس صخور جاءت من الفضاء، ثم تبدأ عبْر البوابات رحلة مشاهدة جانب مهم من تاريخ الفضاء، حيث الصواريخ والمركبات ورحلة أبولو، وذلك عبر برنامج سياحي ينقل الزائر من سطح الأرض إلى آفاق الكون.
يبدو الأمر كدراما مثيرة، قبل نحو (200) عام باعت إسبانيا فلوريدا لأميركا، ولم تكن في معظمها سوى مساحة شاسعة من المستنقعات، بقيت من المستنقعات آلاف البحيرات وأكثر من مليون تمساحاً، ولكن إلى جوار ذلك بدأت رحلة الحياة، حتى أصبحت فلوريدا ثالث أكبر الولايات سكاناً. لم يكن أحد ليتخيل أن بعض المستنقعات ستصبح مركزاً مهماً لوكالة «ناسا»، وأن مركز كينيدي ستنطلق منه أول رحلة للإنسان إلى سطح القمر.
كان زحام الأطفال في الطريق إلى ديزني كبيراً، لكن زحامهم إلى «ناسا» كان عظيماً. ليس هناك ما هو أروع من أن يقرر المرء القيام بسياحة علمية، وأن يقضي أوقاتاً مفيدة بين الرياضيات والفيزياء. العلم هو الحل.
* كاتب مصري