عندما يتجرد الإنسان من إنسانيته، ماذا يصبح؟! هل سيردد الأنشودة التي كانت تذاع عبر بعض أفلام «الكرتون»، الرسوم المتحركة منذ عقود مضت، من دون أن ندرك حقيقتها، والتي تقول بدايتها: في يوم ما سأصبح إنساناً! ما هو الفرق بين مكانة الإنسان ومنزلته في الكون، وخاصة إذا كان هو بحد ذاته كوناً مستقلاً لعلو شأنه مقابل جميع المخلوقات المسخرة له، ومرتبة الحيوان الأبكم والمسخر بالفطرة في جميع تحركاته، خلاف الإنسان العاقل والواعي والمدرك لمجريات الأحداث من حوله، فضلاً أنه خُلق على الفطرة، كما ورد في القرآن: «فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَر النَّاسَ عَلَيْها» وفي القرآن معنى دقيق ولفتة عميقة لمن يتنازل عن إنسانيته، فلا يصل أيضاً إلى مرتبة «الحيوان»، لأن الحيوان بفطرته ينقاد لراعيه ويطيع أوامره مع أنه غير مكلف من قبل خالقه، لا بالطاعة ولا بالعصيان. تدبر قول المولى جل في علاه في سورة الفرقان، الآية 44.:«أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا».
هؤلاء لا يشبهون الحيوان، بل هم أدنى من مرتبة الأنعام، لا يوجد مصطلح خاص بهم، ولا اسم يمكن اختراعه لمعرفة هذا «اللاإنسان»، وليس بالحيوان. ولمدرسة الحياة، كلمة الفصل في معرفة مراتب الإنسان وفقاً للقرب من سلم الإنسانية، صعوداً ونزولاً أو نزوحاً. فلا يوجد فرق بين لون الملح ولون السكر، فكلاهما نفس اللون، ولكن ستعرف الفرق بعد التجربة! كذلك هم البشر.
وإليك بعض تصرفات اللاإنسانية مع الإنسان، قال القدماء: خمسةٌ لا تسامحهم: من فرق بينك وبين أعزِ أصحابك - من ابتسم بوجهك وهو يطعنك في ظهرك - من ظلمك وقهر قلبك - من أحبك حباً كاذباً - من شوه سمعتك بغير وجه حق. وقد قيل في ذلك: «سَكت المؤدَبُ من أدبه، فظن قليلُ الأدبِ أنه هو من أسكته»! نقتبس حصيلة هذه التجربة ممن خبروا الحياة بكل صنوفها، سئل حكيم من تعزّ من الناس؟ قال: من أخلاقه كريمة، ومجالسته غنيمة، ونيته سليمة، ومفارقته أليمة، كالمسك كلما مر عليه الزمن زاده قيمة. فإذا تألمت لألم إنسان فأنت نبيل، أما إذا شاركت في علاجه فأنت عظيم. كيف نحرك الخير في نفوس البشر؟
وضعت السكر في الشاي، ونسيت أن أحركه وشربت منه شربة فكان طعمه مراً، ولكن مرارة الشاي لاتعني عدم وجود السكر فيه! لأنك بمجرد تحريكك الشاي ستظهر حلاوته، فالسكّر موجود ولكنه يحتاج من يحرّكه. وكذلك الخير والحب موجود في نفوس أغلب الناس ولكنه يحتاج إلى من يحركه. حركوا الخير والحب في نفوسكم ونفوس من تحبون ستشعرون بحلاوة طعم حياتكم وتكتشفون الخير في شخصياتهم. ما أنبل قطعة السكر، أعطت الشاي ما لديها ثم اختفت، هكذا المعروف، كن كقطعة السكر حتى وإن اختفت تركت أثراً جميلاً، فالبصمة الجميلة تبقى حتى وإن غاب صاحبها.
*كاتب إماراتي