أحد الأشياء التي يصعب تقبلها بشأن العيش في الجنوب الأميركي هو كيف أن هذه المنطقة ذات الجمال الطبيعي الاستثنائي، وهذا المكان الذي لا يزال برياً ويتميز بتنوع بيولوجي لا يمكن تعويضه، يقع في الغالب في أيدي السياسيين الذين سيبيعونه بكل سرور لمن يدفع أعلى سعر. من الصعب تقبُل حقيقة أن الأراضي التي تبدو محمية ظاهرياً ليست آمنة أبداً. وكيف أن الهيئات التنظيمية في الولاية المكلفة بحمايتها ستغض الطرف في كثير من الأحيان عندما ينتهك مقدم أعلى عطاء اللوائح البيئية الخاصة بالولاية.
يتكشف الآن مثال فاضح لهذا النمط في جورجيا، حيث يستعد المسؤولون في الولاية للموافقة على استغلال منجم على الحافة الجنوبية الشرقية لمحمية أوكيفينوكي الوطنية الرائعة للحياة البرية.
تعد محمية «أوكيفينوكي»، التي تبلغ مساحتها 407000 فدان، أكبر مستنقع سليماً بيئياً للمياه السوداء في أميركا الشمالية وأكبر ملجأ وطني للحياة البرية شرق نهر المسيسيبي. فهي تستضيف أو تؤوي مجموعة كبيرة من الحياة النباتية والحيوانية، بما في ذلك الأنواع المهددة بالانقراض. وهي محطة مهمة للغاية في مسار للطيور المهاجرة. وقد تم تصنيفها على أنها أرض رطبة ذات أهمية دولية بموجب اتفاقية «رامسار» لعام 1971، وهي تحتجز كمية هائلة من الكربون على شكل خث (أراضٍ رطبة أو فحم المستنقعات).
يشكل المنجم المقترح خطراً كبيراً على المستنقع. إذ يعد موقع «تريل ريدج» Trail Ridge، الذي ستبدأ فيه شركة «توين باينز مينيرالز» Twin Pines Minerals عملياتها، هو تكوين جيولوجي يعمل كسد ترابي منخفض يحافظ على مياه نهر «أوكيفينوكي» في مكانها. سيقوم المنجم بإزالة التربة السطحية، وحفر الرمال، وفصل التيتانيوم عن الرمال، ثم إعادة الرمال والتربة إلى مكان بالقرب من مكانهما الأصلي. ولإدارة كل هذا، ستحتاج الشركة إلى ضخ 1.4 مليون جالون من المياه الجوفية يومياً من طبقة الماء الجوفية التي تخدم نهر «أوكيفينوكي».
أعتقد أن الأمر لا يبدو سيئاً للغاية، إلا إذا كنت تعلم أن خطة التدمير والاستخراج والاستبدال هذه هي في الواقع عملية لإزالة قمم الجبال لأغراض تعدينية. لا يمكن استعادة النظام البيئي بعد هجوم كهذا، حيث ستموت النباتات والحيوانات المائية إذا تم سد الممرات المائية بالطمي. ويمكن أن تكون مياه الشرب ملوثة بالمعادن الثقيلة. كما سيتم فقدان التكوينات الأرضية القديمة والموائل التي تدعمها إلى الأبد. وستُترك التربة الحية قاحلة.
تزعم شركة «توين باينز»، وهي شركة في ولاية ألاباما، أن منجمها المقترح سيوفر مئات الوظائف التي تشتد الحاجة إليها في هذا الجزء من الولاية الذي يعاني الركود الاقتصادي. ولا توجد إشارة عن حجم الدخل الذي سيتم فقدانه إذا أدى المنجم إلى تثبيط السياحة في هذا المكان الذي يجذب كل عام أكثر من 800 ألف زائر ينفقون حوالي 91.5 مليون دولار أثناء وجودهم هناك. ويشير تحليل أجراه صندوق الحفظ إلى أن السياحة في «أوكيفينوكي»: تدعم 750 وظيفة، و79 مليون دولار من الناتج الاقتصادي، و11.1 مليون دولار من عائدات الضرائب السنوية في المنطقة.
وبعبارة أخرى، حتى بالمقاييس الإنسانية البحتة، لا يوجد سبب مقنع لجورجيا للسماح بالتعدين على سلسلة من التلال الهشة من الأرض على بُعد أقل من ثلاثة أميال من مستنقع «أوكيفينوكي».
من خلال التدابير البيئية، فإن إنشاء منجم في أي مكان بالقرب من محمية الحياة البرية هذه يجب أن يكون غير قانوني تماماً. فقد اكتشف علماء الهيدرولوجيا في خدمة المتنزهات الوطنية العام الماضي «أوجه قصور خطيرة» في النموذج الذي استخدمته شركة «توين باينز» لإثبات سلامة خطتها - وهو نموذج «يحجب التأثيرات الحقيقية للتعدين على المحمية».
من المهم أن نلاحظ أن هذه ليست معركة بين شعب جورجيا وبعض المنظمات البيئية خارج الولاية التي لا تفهم ديناميكيات الفقر في الريف. إذ إن شعب جورجيا يقدّر مستنقع «أوكيفينوكي». فقد أيد 69% من الجورجيين حماية المستنقع بشكل دائم من التنمية، وتلقى قسم حماية البيئة في جورجيا أكثر من 200000 رد معارض للمنجم.
ما يعرفه شعب جورجيا - وهو ما يرفض المنظمون البيئيون في جورجيا الاعتراف به - هو أننا يجب أن نرد بعنف على فكرة وجود منجم على حافة نهر أوكيفينوكي كما نرد على أي عمل يعرض للخطر سلامة شيء مثل يلوستون أو «يوسمايت أو جراند كانيون»، بحسب ما قال «بيل ساب»، أحد كبار المحامين في مركز قانون البيئة الجنوبي، لصحيفة واشنطن بوست. وبدلاً من تسليمه إلى شركة خارج الولاية للاستفادة منها، يجب على المسؤولين في جورجيا حماية هذا المستنقع بكل ما في وسعهم.
ومع ذلك، في التاسع من فبراير، بعد أيام فقط من كتابتي مقال حول الخطر الذي تتعرض له الأراضي الرطبة الأميركية بشكل عام وعلى نهر «أوكيفينوكي» بشكل خاص، أصدر قسم حماية البيئة في جورجيا مسودة تصاريح للمنجم.
ومن المفارقات أنه بفضل تقرير لوكالة أسوشيتد برس: «تم إصدار مسودة التصاريح بعد أسبوعين فقط من موافقة شركة توين باينز على دفع غرامة قدرها 20 ألف دولار أمر بها المنظمون في جورجيا، الذين قالوا إن الشركة انتهكت قوانين الولاية أثناء جمع عينات التربة».
كيف يمكن أن يكون المنظمون في الولاية على وشك الموافقة على منجم غير ضروري على حدود محمية الحياة البرية الفيدرالية التي تشتد الحاجة إليها؟ منجم يعارضه مواطنو الولاية، إلى جانب أغلبية من الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» من المشرعين، بشدة؟ يوضح تقرير شامل لصحيفة «أتلانتا جورنال كونستيتيوشن»، الدور الذي لعبته جهود الضغط والتبرعات للحملات الانتخابية - والتراجع المدمر عن تدابير الحماية البيئية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب - في ترك «أوكيفينوكي» عرضة للخطر للغاية.
من ناحية أخرى، رشحت دائرة المتنزهات الوطنية مستنقع «أوكيفينوكي» كموقع للتراث العالمي لليونيسكو، وهو تمييز من شأنه، إذا تم منحه، أن يجلب المزيد من الزوار إلى المنطقة ويضمن تدقيقاً إضافياً لإدارة جورجيا للمستنقع.
مارجريت رينكل
كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»