في الرابع عشر من شهر مارس الجاري، ألقى زعيم «الديمقراطيين» في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور تشاك شومر، الذي يُعد أرفع يهودي في الحكومة الأميركية، خطاباً لمدة 40 دقيقة على زملائه حول الوضع في غزة. كان ذلك أداءً لافتاً، وقد أثار الكثير من الإشادات والانتقادات معاً.
كان الخطاب مرتباً بعناية، وقد استهلّه شومر ببسط مؤهلاته القوية باعتباره كان أحد المؤيدين لإسرائيل طوال حياته، ثم انتقل لوصف أهوال الهجوم الذي شنّته «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، والوحشية الاستثنائية التي استُخدمت ضد المواطنين الإسرائيليين الذين قُتلوا أو أُخذوا رهائن. وحدّد 4 عقبات تحول دون التوصل إلى حل قابل للتطبيق في الحرب المتواصلة.
وأولاً، ندّد شومر بسيل التأييد والخطابات الداعمة لـ«حماس»، والتي عبّر عنها العديد من الفلسطينيين وأنصار فلسطين حول العالم، ممن حاولوا «تغيير صورة» الحركة وتصويرها على أنها حركة تحرر بدلاً من كونها تنظيماً إرهابياً أيديولوجياً عنيفاً مصمِّماً على تدمير إسرائيل. واعتبر أنه لا يمكن أن يكون لـ«حماس» أي دور في حكم الفلسطينيين مستقبلاً.
وثانياً، ندّد بالمتطرفين اليمينيين في إسرائيل، الذين يتعمدون استفزازَ المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية بالعنف، ويتوعدونهم بتوسيع المستوطنات في هذه المناطق الحساسة. وفي هذا الصدد، لفت شومر إلى أن كلاً من «حماس» واليمين الإسرائيلي المتطرف يستخدمان شعار «من النهر إلى البحر» للتعبير عن أهدافهم في إزالة خصومهم من الأرض.
وثالثاً، أشار إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس باعتباره عقبة في طريق السلام، وقال: إنه يجب على عباس التنحي والسماح للفلسطينيين باختيار قادة أكثر براغماتية من أجل التفاوض حول تسوية نهائية مع إسرائيل، معتبراً أن «حل الدولتين» يظل الخيار الوحيد القابل للتطبيق.
ورابعاً، دعا رئيسَ الوزراء الإسرائيلي إلى التنحي عن منصبه، نظراً لأنه «ضل طريقَه» حين خضع لرغبات أعضاء ائتلافه اليميني المتطرف، وأصبح رهينةً لسياساتهم من أجل البقاء في السلطة. ودعا إلى إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل على اعتبار أنها السبيل الوحيد لتحقيق تقدم إلى الأمام، مشدداً على أن إسرائيل لا تستطيع النجاة والبقاء دولةً قابلةً للحياة إذا أصبحت «منبوذة عالمياً».
غير أن تصريحات شومر المتعلقة بنتنياهو هي التي استأثرت بالقدر الأكبر من ردود الفعل. وفي هذا الإطار، أيّد جو بايدن الخطابَ على غرار «ديمقراطيين» بارزين آخرين وزعماء المنظمات اليهودية التقدمية، في حين قال نتنياهو: إن تصريحات شومر كانت «غير لائقة تماماً». ومن جانبهم، ندّد «الجمهوريون» بالخطاب، واصفين إياه بأنه «طعنة في الظهر» لحليف ديمقراطي مقرَّب. وحثوا اليهودَ الأميركيين على التصويت لصالح ترامب لأنه سيدعم ائتلاف نتنياهو بنسبة 100 في المئة. واعتبروا أن السبب الحقيقي للخطاب إنما يتعلق بردود الفعل الغاضبة للعرب والمسلمين الأميركيين الآخرين ضد بايدن وإدارته بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل وما تفعله في غزة، وخاصة أن العديد من هذه الاحتجاجات تصدر عن سكان ولايات حاسمة في الانتخابات المقبلة مثل ميشيغن.
غير أنه بالنسبة للعديد من الأميركيين اليهود، كان بيان شومر ضرورياً بالنظر إلى الاحتجاجات العالمية ضد العمل العسكري الإسرائيلي في غزة، ونظريات المؤامرة المنتشرة على نطاق واسع حول «النفوذ اليهودي» في الولايات المتحدة والدول الأوروبية المهمة. ذلك أن ظهور معاداة السامية الصارخة هذه من جديد أثار قلقاً كبيراً ومخاوف من أنه إذا لم يتم إنهاء حرب غزة قريباً، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من العزلة لإسرائيل.
والواقع أن قليلين ينكرون الفظاعات التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون جراء الهجوم الإسرائيلي، لكن -وكما أوضح شومر- يجب التأكيد على مسؤولية «حماس» باستمرار، ذلك أنها دبّرت هجوم السابع من أكتوبر رغم علمها الأكيد بأنه سيؤدي إلى رد عسكري كبير جداً يفضي إلى مقتل آلاف المدنيين. كما أنها لم تتخذ أي ترتيبات لتوفير مأوى للمدنيين في وقت لاذت فيه قياداتها بشبكة الأنفاق الآمنة نسبياً، حيث جمعت مخزوناً من الأسلحة والأغذية والإمدادات الطبية.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست - واشنطن