المليار الذهبي
لو وضعت العنوان أعلاه في محركات البحث على الإنترنت فستخرج بملايين النتائج التي تناقش هذا المفهوم الطارئ مؤخراً. اكتبه باللغة العربية مرة، ومرة باللغة الإنجليزية أو اللغة الألمانية أو اللغة الفرنسية أو اللغة التركية أو اللغة السواحلية أو اللغة البرتغالية أو بأي لغة عالمية أخرى وستتفاجأ بكمية مهولة من التحليلات والتقارير والتحقيقات التي كتبها مواطنون عاديون وخبراء متخصصون ومفكرون عالميون. الجميع يتحدث، والجميع يضع رأيه في علبة هدايا مزينة بالألوان كي يتقبله الجميع.
الجميع يتحدث للجميع، وليس من بين الجميع أحد يسمع. لماذا؟ لأن مفهوم «المليار الذهبي» ظهر فجأة وأُريد له أن يكون حديث الساعة، فتدافع له الجميع من غير أن يتوقفوا عند الظروف الأولى التي تخلّق فيها، وبالتالي أصبح خط الاتصال يسير في اتجاه واحد، فـ«ضاعت الفريسة في غبارها» كما نقول في أمثالنا. الجائعون حول العالم، صدّقوا أن القوى المهيمنة والنخب الاجتماعية الكبرى تريد أن تقتلهم لتفوز لوحدها بموارد الأرض الغذائية التي لا تكفي لكل هذه الأعداد البشرية المليارية.
والمواطنون العالميون المشبعون بنظريات المؤامرة، آمنوا بالفكرة التي تقول إن القوى الكبرى في العالم تُريد أن تنهي وجودهم في الأرض، ليتسنى لها أن تقود«العالم الذهبي» كيفما يحلو لها. ومواطنو الأديان والأفكار والإيديولوجيات والعقائد، يظنون أن الخطط التنفيذية لمفهوم الميار الذهبي قد صُممت بالفعل للتخلص من أعداء الرجل الأبيض وخصوم نظرياته ورؤاه ونظرته للكون والحياة وما بعد الحياة. كل يغني على ليلاه، و«ليلى» لا تدري أساساً ما الموضوع! كما أن «الرجل الأبيض» الذي أطلق هذا المفهوم لم يزد على هاتين الكلمتين وجعل الجميع يصطدم بالجميع! الحقيقة أن مفهوم «المليار الذهبي» هو تكتيك نفسي أكثر من كونه أجندة عمل قابلة للتنفيذ والتحقق!
الجميع في هذا العالم يعنيهم أن ينضووا تحت مظلة هذا المفهوم ليشعروا بوجودهم مؤقتاً ما يعينهم على التعايش مع مصاعب الحياة وتحدياتها. الجائع يريد أن يعمل جلبة كونية حول هذا المفهوم، ليتمكن من توجيه الاتهام المباشر إلى أطراف أخرى في مسألة جوعه وعوزه. لا يريد أن يعترف أنه المسؤول الأول عن جوعه، ولا يريد حتى التفكير بذلك، ومفهومـ «المليار الذهبي» يأخذ مشاكله وتعبه وقلة حيلته ويرميها في وجه الآخر الشرير!
وأولئك الذين يمسون ويصبحون على هواجسهم التي تقول لهم إن الآخرين يتآمرون عليهم وعلى وجودهم، يجدون في هذا المفهوم مثالاً شديد الوضوح على صدقية أفكارهم وصحة ظنونهم. أما ضحايا الإيديولوجيا فهم أكثر المؤمنين بهذا المفهوم، لأنه يعبر في تقديرهم عن حقيقة خصومهم الذين يريدون أن يجتثوهم من الأرض بمفاهيم ناعمة كحقوق الإنسان وما يلحق ذلك من نظريات مدنية لا دينية ولا إيديولوجية. الرجل الغربي المتهم بإطلاق هذا المفهوم، مؤمن أيضاً بشكل أو بآخر ببعض المفردات التي يتشكل منها المليار الذهبي، فهو، من خلال بعض الأدبيات الغربية، مسؤول عن رعاية هذا الكوكب وحمايته من التوالد العشوائي لبعض الكائنات الأدنى بشرية منه.
وعوداً على بدء، فإن «الحالة النفسية» للمفهوم التي يؤمن بها الجميع، هي التي قد تقوده لأن يصبح واقعاً خلال القرون القليلة المقبلة برغم أن الإنسان بطبيعته كائن قابل للتحول وأخذ شكل الإناء الذي يعيش فيه! هل سمعتم من قبل بمفهوم غير حقيقي حولته حالته النفسية إلى واقع على الأرض؟!
*كاتب سعودي