العنصرية والتعصب في كرة القدم
في الحديث عن «الساحرة المستديرة» شجون دائمة، فمباريات كرة القدم ببطولاتها الإقليمية والعالمية تستقطب جمهوراً عربياً واسعاً، ينتظر المباريات بترقب، فيتابعها بشغف ويتحدث عنها مطولاً. وينقسم الجمهور بين هذا الفريق وذاك، فتراه يتحدث عن فريق أوروبي يشجعه بحب وكأنه ينتمي لبلاد ذلك الفريق. وكل هذا مفهوم ومقبول، لكن أن يتحول الشغف إلى تنمر وعنصرية وتعصب، أو أن يتحول إلى باب للخلاف وليس اللقاء.. فذلك يهدم كلَّ أهداف الرياضة ورسالتها ودورها في تقريب الناس والشعوب، وتقديم المتعة لهم من دون منغصات. في هذه الفترة شهدنا ونشهد عدة بطولات كروية، منها آسيوية، وتتمثل ببطولة كأس آسيا، ومنها أفريقية، وتتمثل بكأس أمم أفريقيا.
وفي البطولتين شاركت منتخبات عربية عدة، ورافقها جمهورٌ مشجِّعٌ كبير من بلدانها، أو حتى من بلدان أخرى تحبها. وكل ذلك مفهوم ومتعارف عليه، لكن الملاحظ على الفِرق العربية ومشجعيها خروج البعض عن المألوف والمتعارف عليه، وحتى عن قوانين وأعراف كرة القدم، ليتجلى ذلك الخروج في عنصرية ومشاحنات بالجملة، انتقلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتشعلها بمشاحنات واسعة، لكن المفارقة أن الفِرق العربية كانت متفردة في تلك الحالات العنصرية أو الممارسات التعصبية غير الصحيحة، سواء من اللاعبين الذين قام بعضهم بتشويه صورة كرة القدم ومبارياتها التي يفترض أن تقرِّب بين الشعوب، فقام البعض باستهداف الجمهور متمادياً في تصرفات غير موفقة، وسرعان ما انعكس ذلك على الجمهور نفسه، ثم على المؤتمرات الصحافية، حيث دان الاتحاد الآسيوي تصرف بعض الصحفيين في تلك المؤتمرات، ووصفه بقلة الاحترافية والاحترام.
حالة التشنج والعصبية تحولت أيضاً إلى شعارات طائفية، في محاولة لإهانة المشجعين مِن الفريق الآخر، وهذا الأمر مستهجن في عالم كرة القدم التي تهدف بشكل عام إلى إذابة التباينات بين الشعوب وتقريبها لبعضها بعضاً، وهذا للأسف لم يحدث بين جماهير شقيقة. لكل هذا يجب أن تكون هناك قواعد صارمة، سواء تجاه اللاعبين أو الصحفيين أو الجمهور، أو أي طرف آخر في هذه اللعبة الجميلة التي يجب إبقاؤها جميلةً.
وقد سبق للاتحادات العالمية لكرة لقدم أن منعت أي شعارات أو صور أو لافتات ذات طابع سياسي، أو حتى أعلام دول غير تلك المشاركة في اللعبة، لكن جماهير جاءت لتشجع فريق دولة أخرى فقط لكي تسجل موقفاً سياسياً، أي لتسييس اللعبة، وهذا أيضاً أمر غير مقبول وغير أخلاقي، خاصة إذا ترافق مع استخدام شعارات وألفاظ تحمل ذات الطابع السياسي، وتأخذنا بعيداً عن نظافة اللعبة وأخلاقياتها. التعصب الكروي خطير وغير مقبول، وهو يفرغ لعبة كرة القدم من جمالياتها وأهدافها، لكن سبق أن شهدنا في ملاعب كرة القدم العربية والعالمية حوادث خطيرة ومريرة بسبب التعصب الكروي، حيث سبق وقُتل أكثر من 125 شخصاً وجرح عشرات آخرون في إندونيسيا، بعد اقتحام الجمهور أرضية الملعب عام 2022، في حادثة فريدة في الملاعب الآسيوية.
وحتى على المستوى العربي، سبق أيضاً وتسبب التعصب الكروي في إزهاق أرواح أكثر من 74 مشجعاً وجرح المئات، وذلك في الإسكندرية، خلال الدوري المصري الممتاز عام 2012، إثر مشاحنات أعقبها نزول مجموعة للاعتداء على مشجعين من الفريق المنافس. الحالات تلك لم تقتصر على الملاعب العربية والآسيوية، فالملاعب الأوروبية أيضاً شهدت وتشهد الكثير من الحوادث الدامية بسبب عنف الجماهير، وكل ذلك يظل غير مقبول على المستويات كافة.. فكُرة القدم لعبة يجب أن تبقى نظيفة.
*كاتب إماراتي