خلافاً للروح الإيجابية التي تم التعبير عنها عقب اجتماع البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي، باتت احتمالات التوصل لأي اتفاق بشأن سياسة الهجرة والمساعدات لأوكرانيا في مجلس النواب الذي يقوده «الجمهوريون» تناهز الصفر هذا الشهر، بل وستزداد تضاؤلاً خلال المقبل من الشهور. ذلك أنه من البداية، كانت نية «جمهوريي» اليمين المتشدد في مجلس النواب هي إجهاض المساعدات عبر ربطها بإصلاح الهجرة – وقد وقع البيت الأبيض ومجلس الشيوخ في فخ هؤلاء «الجمهوريين».
مصير الجهدين يقع على عاتق رجل واحد، هو رئيس مجلس النواب مايك جونسون، المرتهن لجناحه اليميني وللرئيس السابق دونالد ترامب. وقد بات من الواضح على نحو متزايد أن جونسون (الجمهوري عن ولاية لويزيانا) ليست لديه أي خطة حقيقية أو حافز سياسي للتوصل لتسوية بشأن أي من القضيتين. والنتيجة هي فوضى تشريعية من المرجح أن تفضي إلى عدم صدور أي تمويل لأوكرانيا من الكونجرس هذا الشهر، أو ربما في أي وقت من الأوقات مستقبلاً. وهكذا، فإن الدعم الأميركي لأوكرانيا يمكن أن يتلاشى، وهو ما يمثّل سيناريو كابوسيا بالنسبة لكييف وللاستراتيجية الأميركية في أوروبا.
زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر (الديمقراطي عن ولاية نيويورك) قال للصحفيين عقب جلسة البيت الأبيض التي دامت ساعتين إنه «أكثر تفاؤلاً من أي وقت مضى» بأن مفاوضي مجلس الشيوخ باتوا قريبين من التوصل لاتفاق. ومن شأن التشريع المرتقب أن يوفّر حوالي 60 مليار دولار من التمويل المتعلق بأوكرانيا، بالإضافة إلى مليارات أخرى إضافية للحدود، وتجديد مخزونات الأسلحة الأميركية، والأمن الأوروبي، وإسرائيل، ومنطقة المحيط الهادئ والهندي. غير أن هذا التفاؤل يتجاهل الديناميات داخل مؤتمر «جمهوريي» مجلس النواب، حيث يسعى حلفاء ترامب لوأد الاتفاق قبل أن يتبلور، ويتخذ شكلاً ملموساً.
ورسائل جونسون المتضاربة بعد الاجتماع كانت مؤشراً على ذلك. فبعد ظهر يوم الأربعاء، وصف «جونسون» اجتماع البيت الأبيض بـ«المثمر» وقال إن هناك «بعض الإجماع» بشأن كيفية التوصل لاتفاق. ولكن بعد ساعات على ذلك، قال على قناة «فوكس نيوز» إنه يتشاور بشكل وثيق مع ترامب، الذي يخوض حملة نشطة ضد أي تسوية.
وفي مكالمة مع أعضاء الحزب «الجمهوري» تم تسريبها يوم الأحد، ذهب جونسون إلى أبعد من ذلك قائلاً إنه لن يقبل بأي اتفاق في مجلس الشيوخ، وإنه يعتقد أنه لا يمكن تسوية قضية الحدود إلى أن يصبح «جمهوري» رئيساً.
«الجمهوريون» المؤيدون لتقديم المساعدات لأوكرانيا، الذين يحذّرون عن حق من أن حجبها سيشكّل كارثة، يشعرون بقلق متزايد من نجاح «الجمهوريين» اليمينيين المنتمين لتيار «اجعل أميركا عظيمة من جديد» في عرقلة المساعدات العسكرية بالغة الأهمية.
وفي هذا الصدد، قال لي رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مايكل ماكول (الجمهوري عن ولاية تكساس): «على رئيس مجلس النواب اتخاذ قرار صعب بشأن ما ينبغي فعله»، مضيفاً «أما إذا تخلّينا عن حلفائنا في الناتو، واستسلمنا في أوكرانيا، فإن ذلك لن يجعل العالم أكثر أماناً، وإنما سيجعل العالم أكثر خطورةً... إن (رونالد) ريجن ما كان ليستسلم للاتحاد السوفييتي أبداً. ربما يتعلق الأمر بتحولٍ في حزبنا».
داخل اجتماع البيت الأبيض، قدّم مسؤولو الأمن القومي في إدارة بايدن تحذيرات مفصلة وخطيرة حول ما من شأن هذا التأخير أن يعنيه بالنسبة للوضع على ساحة المعركة في أوكرانيا. ولكن جونسون ردّ بإلقاء اللوم على الإدارة الحالية، وتحميلها مسؤولية سوء إدارة الحرب. وبدا أنه لا يشعر بالمسؤولية عن الكارثة التي يمكن أن يتسبب فيها تقاعس مجلسه الذي يهيمن عليه تيار «اجعلوا أميركا عظيمة من جديد».
جونسون يستطيع في الوقت الراهن التنصل من مسؤوليته عبر القول إن مفاوضي مجلس الشيوخ لم يتوصلوا لاتفاق. وفي الأثناء، يقول زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل (الجمهوري عن ولاية كنتاكي) لأعضاء مجلس النواب إن مشروع قانون مجلس الشيوخ قد يصل إلى المجلس الأسبوع المقبل. وبالطبع، هذا ما قاله قبل أسبوعين، غير أنه بالنسبة لكبير المفاوضين «الديمقراطيين» السيناتور كريس مرفي (عن ولاية كونيكتكت)، فإن جونسون و«جمهوريي» مجلس النواب هم الذين يتحملون مسؤولية ربط قضية الحدود بالمساعدات الأوكرانية في المقام الأول، ثم التراجع عن المفاوضات.
جونسون ليس لديه أي دافع سياسي للقيام بشيء ضد جناحه اليميني، وتحدي ترامب عبر دعم تسوية في مجلس الشيوخ. ولكن، لماذا يمنح الرئيسَ بايدن فوزاً بخصوص قضية الحدود قبل الانتخابات العامة؟ ثم إن وضع معايير متطرفة لإصلاح الهجرة كان دائماً جزءاً من خطة تيار «اجعلوا أميركا عظيمة من جديد» من أجل إجهاض كلا الجهدين، حيث خلص أتباع هذا الأخير إلى أن النتيجة ستكون أكثر تعقيداً وإثارةً للجدل من أن تتحقق.
وخلاصة القول إن استراتيجية تيار «اجعلوا أميركا عظيمة من جديد» استراتيجية ماكرة: ذلك أنها تُجهض المساعدات الأميركية لأوكرانيا عملياً، وفي الوقت نفسه، ترفض الاعتراف بذلك. غير أنه ينبغي أن نكون على يقين بأنه إذا سمح الكونجرس بانقضاء المساعدات لأوكرانيا من دون أن يحرّك ساكناً، فإن كتب التاريخ ستحمّل جونسون وترامب مسؤولية مساعدة روسيا على الفوز في الحرب.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»