بعد ستة أشهر من البحث والتحري والتحقيق، أمر المستشار الدكتور حمد سيف الشامسي، النائب العام في دولة الإمارات العربية المتحدة، بإحالة 84 متهماً، أغلبهم من أعضاء تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي في الإمارات، إلى محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية (محكمة أمن الدولة) لمحاكمتهم عن جريمة إنشاء تنظيم سري آخر بغرض ارتكاب أعمال عنف وإرهاب على أراضي الدولة، وإخفاء هذه الجريمة مع كامل أدلتها قبل الحكم بالقضية رقم 17 في عام 2013. وإذ أظهرت السلطات الأمنية في دولة الإمارات هذه الجريمة بكامل أدلتها وأشخاصها، فإن ذلك يعد نجاحاً أمنياً ينضاف إلى سجل نجاحاتها في مواجهة الإرهاب وضربه في عمقه ومخابئه واجتثاث جذروه بعزيمة وحزم لا يساورها أي تراجع أو تراخ.
قضية التنظيم الإخواني التي برزت بتقديم متهميها الـ 84، ليست قضية جديدة، بل الجديد فيها أدلتها الدامغة المتجددة بفضل التقصي والرصد، وليست الأولى على مستوى النجاحات التي حققها الأمن الإماراتي. ولو عدنا للوراء وخلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي فسنجد أن الحكومة الاتحادية جمّدت جميع الأنشطة الخارجية لإحدى الجمعيات الإخوانية في العام 1994، وأتبعت ذلك بقرار حل مجلس إدارتها، وبإسناد الإشراف على فروع الجمعية إلى وزارة الشؤون الاجتماعية. وفي نوفمبر من عام 2014 أعلنت دولةُ الإمارات جماعةَ «الإخوان» ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية والعالم. وجاء ذلك تطبيقاً لأحكام القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014 بشأن «مكافحة الجرائم الإرهابية». وعلى إثر الحصار الإعلامي للجماعة، واجتثاث مناشطها، فقد أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة آمنة من هذا التنظيم الإجرامي، وذلك بفضل الإجراءات الأمنية الحازمة وإرادة التصدي الصلبة للإرهاب ومنابعه وأفكاره، والإصرار على مكافحة الجماعات المتطرفة والإرهابية، ومنها «الإخوان»، بإرادة صلبة منقطعة النظير. وفى سبيل ذلك اتخذت الإمارات العديد من الخطوات مستخدمةً عدةَ وسائل لفضح سياسة هذه الجماعات التي تحاول استغلال الدين في تنفيذ أهدافها، معلنةً الاستمرارَ في طريقها بلا هوادة.
المناورات الإرهابية لجماعة «الإخوان» والتنظيمات الإجرامية الأخرى تتباين بين الظهور والكمون، بحسب الزمان والمكان والظروف السياسية، لكن من الخطر حقاً الظن بأن هذا التنظيم تلاشى خطره، فاستراتيجية التنظيم هي الكمون حين يلزم الأمر، والظهور في حال مواءمة البيئة الاجتماعية والسياسية، وإعادة تنظيم الصفوف وتنشيط الخلايا السرية من خلال عدة مسارات وقنوات اجتماعية وسياسية أهمها توظيف الدين واستمالة العاطفة الدينية للمجتمعات، كما حدث إبان حقبة الصحوة وما اختلط خلالها من أفكار منحرفة.
ومن تلك المسارات السعي للهيمنة الثقافية عبر التعليم، وإنشاء أجيال تحمل ذات الأفكار التخريبية والإرهابية، وبناء منظومة اقتصادية ومؤسسات وكيانات موازية للدولة التي يتمدد فيها التنظيم. كل ذلك الإرهاب تمت السيطرة عليه في الإمارات وبعض دول الخليج، لكن الأهم من السيطرة على الإرهاب ككيان هو الوعي المتنامي بخطر الفكر الذي ينبثق منه هذا التنظيم وبضرورة محاصرة أفكاره وجرائمه، وتوجيه ضربات استباقية لاجتثاثه وإنهاء وجوده على غرار الضربة الإماراتية القاصمة.
*كاتبة سعودية