ماذا لو كان من الممكن الذهاب إلى الفضاء لتجربة شيء فائق، شيء يساعدنا على فهم أنفسنا بشكل أفضل كبشر؟ وماذا لو كان العيش في الفضاء، أو على الأقل السفر إليه، يمكن أن يؤدي إلى جمال لا يضاهى في شكل فن وموسيقى؟ تبادرت إلى ذهني هذه الأسئلة مؤخراً عندما كنت أشاهد حفلة «جلين كوتشي» من فرقة «ويلكو»، وهو أحد عازفي الطبول المفضلين لدي.
لقد جعلني أحلم بأحلام اليقظة حول ما قد يكون عليه الحال عندما أشاهد عرضاً موسيقياً حياً في الفضاء يوماً ما، داخل الموائل المبنية في مدار قريب من الأرض - مثل محطة الفضاء الدولية (ISS). خذني إلى حفل موسيقي حقيقي، حيث يمكنني أن أطفو 360 درجة حول المسرح، وأشاهد عازف الجيتار وأخترع حركات لا تمنعها جاذبية الأرض.
قبل أن ترفض هذا الأمر باعتباره هلوسة، ضع في اعتبارك أننا على أعتاب حقبة جديدة من السفر إلى الفضاء. تقول المهندسة في مجال الفضاء «أرييل إيكبلاو»، مؤسسة مبادرة استكشاف الفضاء التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إنه في غضون عقد من الزمن، يمكن أن تصبح الرحلة خارج الكوكب متاحة مثل تذكرة طيران من الدرجة الأولى، وأنه في غضون 15 أو20 عاماً، يمكننا أن نتوقع وجود فنادق في الفضاء في مدار قريب من الأرض. إنها تراهن على ذلك، بعد أن أسست منظمة غير ربحية لتصميم موائل كروية معيارية يمكنها تجميع نفسها في الفضاء بحيث تكون خفيفة الوزن وصغيرة الحجم عند الإطلاق، تماماً مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي أطلقته وكالة ناسا إلى الفضاء السحيق قبل عامين. وأوضحت إيكبلاو: «العصر الأول من السفر إلى الفضاء كان يدور حول البقاء. نحن ننتقل الآن لبناء مساحات أكثر ملاءمة حتى يتمكن الناس من العيش في الفضاء بدلاً من مجرد البقاء على قيد الحياة». وقالت إيكبلاو إنه لا يوجد سبب يمنع أن تكون قاعة الحفلات الموسيقية واحدة من تلك الهياكل.
ومع ذلك، من المؤكد تقريباً أن الموسيقى التي يتم عزفها في الفضاء ستكون مختلفة. قام رواد الفضاء ذوو المواهب الموسيقية بتشغيل الأغاني أثناء إقامتهم في محطة الفضاء الدولية، وأبرزها، عندما سجل رائد الفضاء الكندي «كريس هادفيلد» مقطع فيديو موسيقياً في 2013، حيث كان يطارد جيتاره وهو يطفو عبر المختبرات. لكن هذا كله كان عبارة عن مزامنة شفاه وأداء مسرحي. كان على هادفيلد أن يسجل الجيتار والغناء من حجرة النوم الضيقة الخاصة به لضمان جودة صوت جيدة ولمنع جيتاره من الطفو بعيداً أثناء العزف عليه. هناك سنة ضوئية بين ذلك وبين حفل موسيقي مباشر لموسيقيين محترفين أمام الجماهير الموجودة في الفضاء. وما لم يسلك جميع موسيقيي الفضاء الطريق السهل باستخدام الآلات الإلكترونية، فلا بد من اكتشاف الكثير.
لقد جلست مع «جلين كوتشي» هذا الشهر، عندما كان فريق «ويلكو» يؤدي سلسلة من الحفلات الموسيقية في المكسيك، لأسأله عما يعتقد أنه قد يتغير إذا حاول العزف في بيئة منعدمة الجاذبية أو الجاذبية الصغرى. وقال: «عندما تقوم بتعليم المبتدئين العزف على الطبول، فإن الأمر كله يتعلق بجعلهم يحافظون على طبيعتهم ويستخدمون وزن العصا فقط - حتى لا يبالغوا في الضرب أو الإفراط في استخدام العضلات». «من دون الجاذبية، كل هذا سيذهب سدى». وقال إنه يهدف إلى صنع آلات إيقاعية «قائمة على الحدث» بدلاً من الآلات الإيقاعية، مع نغمات طويلة.
أخبرني «كوتشي» أن الجاذبية الصفرية ستكون بيئة مثيرة للارتجال، بسبب الاكتشافات غير المقصودة التي يمكن أن تنشأ، على سبيل المثال، من وجود أدوات تدفعك بعيداً عندما تضربها، أو من تحرك عضلاتك بطرق غير متوقعة.
يمكن أيضاً تكييف الأدوات نفسها لتناسب المساحة. في السنوات الأخيرة، جرب عدد قليل من الأشخاص جلب صانعي الموسيقى في رحلات مكافئة، حيث يتدرب رواد الفضاء للقيام بمهام، ويقوم العلماء بإجراء تجارب على فترات من انعدام الجاذبية تدوم حوالي 20 إلى 25 ثانية. وجد منسق الأغاني والمنتج الموسيقي «مارك مارزينيت» أن العزف على لوحة المفاتيح في هذه البيئة أمر متعب، وقال إنه يمكن أن يتخيل الرغبة في وجود بيانو عمودي للجاذبية المنخفضة. كما يعاني ركاب الرحلة المكافئة من فترات قصيرة من الجاذبية المفرطة - ما يقرب من ضعف قوة الجاذبية على الأرض. وقال مارزينيت إن العزف على الطبول أصبح أسهل وأسرع بنفس الجهد في الجاذبية المفرطة.
قام اثنان من الباحثين السابقين في مختبر الوسائط بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، «ساندز فيش» و«نيكول لويلير»، باختراع أداة إلكترونية قبل بضع سنوات أطلقا عليها اسم «تيليمترون» Telemetron، والتي سيتم تشغيلها في حالة انعدام الجاذبية. لقد أحضرا أشكالاً مختلفة من الآلة في رحلات مكافئة لمعرفة الموسيقى التي قد ينشئونها. أخبرني فيش أن الآلات الموسيقية «لها تأثيرها الخاص»، حيث تطفو بعيداً عنها بعد لمسها وتصدر صوتاً تتابعياً. وقال فيش: «لقد حاولنا التخلص من أكبر عدد ممكن من التقاليد الخاصة بالآلات الموسيقية التي تم تطويرها مع مرور الوقت، لأن البيئة مختلفة تماماً».
يمكن أن يؤدي العيش في الفضاء أيضاً إلى إحداث ثورة في الحفلات الموسيقية، من خلال إعطاء سياق جديد للموسيقى الموجودة وإلهام طرق جديدة للأداء.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»