عيد ميلاد سعيد وذو مغزى
مع انتشار الإبادة الجماعية في غزة، يواجه المسيحيون في الأراضي المقدسة صعوبة في الشعور بالبهجة في موسم عيد الميلاد لهذا العام. فقد ألغى بيت لحم احتفالاته التقليدية، فلا توجد إضاءة للأشجار أو أي شكل من أشكال الاحتفالات.
وبدلاً من مشهد الميلاد التقليدي لمريم ويوسف والطفل يسوع في إسطبل محاط بالرعاة والأغنام، قام القس منذر إسحاق، قس الكنيسة اللوثرية في بيت لحم، بنصب مشهد الميلاد الذي يصور الطفل يسوع وهو يرقد تحت الأنقاض. وأوضح القس إسحاق مدى ملاءمة التمثيل لأنه «إذا ولد يسوع اليوم، فإنه سيكون متضامناً مع الإنسانية التي تعاني في غزة». من المؤكد أن بعض المسيحيين في الغرب سيسخرون من هذا، ويتهمون الفلسطينيين بإساءة تفسير عيد الميلاد أو تسييسه بما يتناسب مع احتياجاتهم.
ولكن في الواقع، فإن النسخة المشوهة بشكل صارخ من عيد الميلاد هي مظهرها الشائع في الغرب، حيث طغت الأشجار والأضواء وسانتا كلوز على ميلاد يسوع باعتبارها الأفكار المهيمنة في موسم عيد الميلاد. وقد تم استغلال هذه التقاليد البريئة بما فيه الكفاية من قبل المصالح التجارية، ما جعل الشهر الذي يسبق عيد الميلاد بمثابة حملة متواصلة من الإغراءات لشراء المزيد والمزيد.
عندما ينطوي عيد الميلاد في الغرب على موضوعات دينية، يتم تقديم قصة الميلاد كقصة خيالية مطهرة. في مدينة بيت لحم، «كل شيء هادئ، كل شيء مشرق»، ثم تتم الولادة، وتتبعها البهجة. ومع ذلك، تشير جوانب أخرى من القصة كما وردت في الكتاب المقدس والتقاليد إلى نص فرعي أكثر تعقيداً وأكثر إنسانية.
وإذا تم تناول هذه العناصر بسطحية في روايتنا المعاصرة، ستصبح مفهومة ومربكة لأولئك الذين سمعوا القصة قبل ألفي عام. كانت مريم فتاة صغيرة، حامل في شهرها التاسع، أُجبرت على السفر لعدة أيام من الناصرة إلى «بيت لحم»، مقر عائلة زوجها يوسف. ولأنهم لم يجدوا مكاناً للإقامة، اضطروا إلى الاحتماء في أحد كهوف «بيت لحم» العديدة. هناك تفصيل في القرآن يحكي عن مريم، وهي على وشك الولادة، تنطلق بمفردها وتصرخ في آلام المخاض: «ياليتني لم أولد». يشير الكتاب المقدس إلى أن الأبوين الجدد قد تم تحذيرهما من الحاكم الروماني للمنطقة، والذي شعر بالتهديد من ولادة طفل قد يتحدى سلطته، فأرسل قوات لذبح الأطفال حديثي الولادة.
هذا التهديد يجبر مريم ويوسف وطفلهما حديث الولادة على الفرار إلى مصر. وهكذا تظهر صورة مختلفة عن تلك السائدة في ثقافتنا، بالإضافة إلى الابتهاج بالحياة الجديدة والاحتفال بالطفل الذي سيقدم الخلاص، يجب أن تتضمن الصورة الأكثر اكتمالاً الوضع الصارخ، والألم المصاحب للولادة، والمخاوف الطبيعية للوالدين الجدد التي يبرزها القلق على السلامة في مواجهة الحكم القمعي.
ولا تنسوا أبداً كلمات مريم عندما علمت أنها ستلد يسوع. وهي تسبح الله قائلةً في جزء من تسبيحها: «كَشَفَ عَن شِدَّةِ ساعِدِه، فشَتَّتَ المُتَكَبِّرينَ في قُلوبِهم. حَطَّ الأَقوِياءَ عنِ العُروش، ورَفَعَ الوُضَعاء. أَشبَعَ الجِياعَ مِنَ الخَيرات، والأَغنِياءُ صَرَفَهم فارِغين». وكما يشير القس إسحاق، فإن يسوع يتضامن مع الإنسانية التي تعاني ويعطي الأمل لها.
ويقدم الطفل الموجود تحت الأنقاض «الأمل في بداية جديدة للخروج من الدمار». يتوافق هذا الأداء الأكثر إخلاصاً لسرد عيد الميلاد مع واقع اليوم الذي يواجهه الفلسطينيون في بيت لحم وغزة.
فهم في بيت لحم معزولون عن بقية الضفة الغربية بجدار خرساني يبلغ ارتفاعه 28 بوصة ومستوطنات ضخمة مخصصة لليهود فقط مبنية على أراضيهم المشتركة. لقد فقدوا إمكانية الوصول إلى حقولهم وكرومهم، كما أن قدرتهم على السفر مقيدة بشدة. وفي غزة، أُجبر الفلسطينيون على الفرار من منازلهم، التي أصبحت الآن أنقاضاً، ثم تعرضوا للقصف أو القتل بنيران القناصة عندما سعوا للبحث عن ملاذ.
واليوم، هناك أكثر من 30 ألف امرأة فلسطينية في غزة حوامل، وبيوتهن مدمرة، ولا يوجد مكان مريح لولادة أطفالهن. ومن يوم لآخر، يعشن في خوف، مثل مريم، ويتحركن هرباً من القصف المتواصل. إن تصرف القس إسحاق هو، في الواقع، الطريقة الأكثر ملاءمة لإحياء ذكرى عيد الميلاد، لأن قصة ميلاد يسوع هي عمل يتلاءم مع معاناة الإنسانية، وتعبير عن الأمل الذي يأتي مع كل حياة جديدة. ومع أخذ هذا في الاعتبار، فإنني أتمنى لكم عيد ميلاد سعيداً، ولكنه ذو مغزى.
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن