لطالما حاول الفلاسفة والعلماء ورجال الدين سبْر أغوار الماضي السحيق، ومحاولة فهم التطور الإنساني في مراحله المتعاقبة، سواء ما هو في حقِب التاريخ أو عصور ما قبل التاريخ.
لقد ابتعدت تلك المحاولات نحو الماضي أكثر فأكثر، ثم راح البعض يبحث عمّا قبل آدم عليه السلام. يرى كثير من المفسرين المسلمين أن جنّة آدم وحواء كانت من جنّات الدنيا، ولم تكن جنّة الخلد. أي أنها كانت على الأرض، ومن ثم كان هناك خلقٌ على الأرض قبل خلق آدم ودخوله وخروجه من الجنّة الأرضية.
في القرن السابع عشر، ألّف الدبلوماسي والكاتب البارز «اسحق لابيرير» كتابه الشهير «بشر قبل آدم».. وفيه رأى أنّ ما بعد آدم هو الإنسان، وما قبل آدم هم البشر. ثم رأى - على نحو عنصري - أن غير البيض، من السود والصينيين والمكسيكيين والإسكيمو.. هم من نسل البشر، وأمّا البيض فهم آدميون من نسل آدم وهم «جيل الإنسان».
أدت هذه الآراء وغيرها من الآراء الدينية الصادمة إلى القبض عليه، وإدخاله السجن (6) أشهر، وحرق كتابه في قلب باريس، فاعتذر عمّا كتب، وتوسّل للبابا في روما، متراجعًا عن آرائه وطالبًا الغفران.
في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، ثارت ضجة كبيرة في مصر على أثر صدور كتاب «أبي آدم» للدكتور عبد الصبور شاهين، حيث قال إن آدم هو «أبو الإنسان» وليس «أبو البشر»، وإن البشر هم خَلق حيواني كان يسكن الأرض قبل الإنسان، فاصطفى الله منهم آدم ليكون أبا الإنسان، حيث نفخ الله فيه من روحه، وأَباد البشر فلم يبقَ إلاّ آدم فسواه وعدله، ومنه جاءت الإنسانية كلها.
وهكذا يرى شاهين أن آدم هو حلقة الوصل بين البشر والإنسان. حيث وُلِد لأبوين بشريين، وهو بذلك آخر البشر وأول الإنسانية. وانتهى شاهين إلى أن كل إنسان بشر، وليس كل بشر إنساناً.
هاجمت تيارات دينية عديدة كتاب «أبي آدم» كما انتقده الأزهر الشريف، لكنه لم يذهب إلى إدانته.
يتوافق عبد الصبور شاهين - الذي انطلق من القرآن الكريم - مع بعض ممّا قال به «اسحق لابيرير» الذي انطلق قريباً من الكتاب المقدس. كما يتوافق شاهين نسبياً مع آراء سابقة لابن كثير في كتابه «البداية والنهاية».
قال ابن كثير بوجود خلقٍ قبل آدم عليه السلام، فقد كان هناك «الحِنُّ والبنُّ»، فأفسدوا في الأرض، فسلّط الله عليهم «الجنّ» فقضوا عليهم تماماً وأبادوهم جميعاً، وسكنوا بعدهم.
انتقد سبط ابن الجوزي قول مقاتل عن عكرمة عن ابن عباس.. أن الله أرسل للحِنّ نبياً اسمه «يوسف»، وقال: لا نبيّ قبل آدم.
ومن المعاصرين قال الشيخ الشعراوي إن عُمر الأرض لا يُقارن بعمر البشر، وإن البشر ليسوا أول الخلق. وفي القرآن الكريم (والجان خلقناه من قبل)، لكن لا بشر قبل آدم. وحسب العلامة التونسي الطاهر بن عاشور فإن القول بوجود البشر قبل الإنسان هو من أساطير الفرس والروم.
إن انشغال الإنسان بالإنسان كانشغاله بالأزل، ماذا كان قبل الإنسان، وقبل الأرض، وقبل الانفجار الكبير «البيج بانج».. وماذا عن الخلود أو الأبد أو اللانهاية.
إنَّهُ سعى الإنسان السرمدي نحو المعرفة.. ما كان، وما سيكون.
*كاتب مصري