اختتم مؤتمر «كوب28» أعماله في دبي منتصف الأسبوع الجاري محققاً نتائج مهمة من جهة ومثيراً الكثيرَ من النقاش من جهة أخرى، حيث يمكن فهم هذين الجانبين، أولاً بسبب عقد المؤتمر في دولة الإمارات التي تقدّم تجربةً تنمويةً مميزةً وتحتل مكانةً في مقدمة التجارب التنموية الرائدة، وثانياً لكون عقد المؤتمر في دولة نفطية كبيرة، كدولة الإمارات، حيث يتم التركيز حالياً على التقليل من الانبعاثات الكربونية الناجمة عن مصادر الطاقة الأحفورية.
وقد وفّر ذلك مادةً خصبة للجدل الدائر حول قضية المناخ التي تأتي على رأس الأولويات للمحافظة على كوكب الأرض ولوقف ارتفاع درجة حرارته والذي يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الكوارث وإلى اختفاء بعض الجزر والدول الساحلية، كما يقول علماء البيئة.
لذلك جاءت بعض الآراء ضمن هذا الجدل مقدِّرةً موقفَ الإمارات التي رغم كونها بلداً مصدِّراً للنفط، إلا أنها من أنشط الدول في دعم تطوير مصادر الطاقة النظيفة، حيث لم تقتصر هذه التوجهات على الإمارات التي أقامت أكبر محطات للطاقة الشمسية وكان آخرها المشروع الذي أعتُمد في دبي أثناء انعقاد المؤتمر وهو أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركزة والطاقة الكهروضوئية بتكلفة بلغت 15 مليار درهم (4.1 مليار دولار)، ويأتي ضمن مشروع دبي للتحول نحو الطاقة النظيفة بنسبة 100% بحلول عام 2050، وذلك بالإضافة إلى تقديم الدولة دعماً تمويلياً وفنياً لإقامة عشرات مشروعات الطاقة الخضراء في مختلف دول العالَم.
وبالإضافة إلى الآراء الإيجابية، كدعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لـ«البحث عن حلول وسط»، ودعوة رئيس المؤتمر معالي الدكتور سلطان الجابر إلى «أن يتحلى الجميع بالمرونة لإيجاد التوافق المطلوب»، فقد برزت بعض الآراء التي لم تجد أي مبرر للانتقاد بسبب موقف الدولة الداعم للطاقة النظيفة، فأعلنت أن «الحظ يبتسم مرة أخرى لدبي»! لكن ما تحقق في دبي والإمارات ليس ناجماً عن الحظ، وإنما عن سياسات اقتصادية صائبة وعن عمل متواصل وجهود كبيرة لسنوات طويلة أمكن بفضلها الوصول للإنجازات التي تحققت. وهو ما ينطبق على التجارب الناجحة الأخرى، فلولا «لي كوان يو»، مؤسس سنغافورة الحديثة، لما كانت سنغافورة، وهو ما ينطبق على دبي ودولة الإمارات، وهو أيضاً ما نشاهده الآن في كل من السعودية وقطر، وهو ما يؤكد دورَ القادة في التاريخ.
أما كون الإمارات منتِجاً رئيساً للنفط، فذلك لا يتعارض مع توجهاتها نحو الطاقة الخضراء، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ توفِّر العائداتُ النفطيةُ قدراتٍ ماليةً هائلةً للاستثمار في الطاقة النظيفة داخل وخارج الدولة، وهو ما يحصل بالفعل.
والمفارقة أن مَن يتبنى بعض الأفكار السلبية يَطرح آراءَ متطرفةً تدعو إلى التخلي تماماً وعلى الفور عن مصادر الطاقة الأحفورية، من دون أن يقدم البديل الذي ما يزال غير متوفر، حيث حذّر «سايمون ستيل» الأمين العام التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) المفاوضين من «رفض التدرج»، فإنتاج العالم من النفط يبلغ حالياً 100 مليون برميل يومياً، بينما تصل حصتة مزيج الطاقة العالمي نحو 81% وفق «فاتح بيرول» المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية.
ولنتصور للحظة أنه تم وقف إنتاج النفط الذي يشكل هذه النسبة الكبيرة، فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد العالمي وانتشار الكساد والبطالة والمجاعة والحروب والصراعات، خصوصاً وأن الطلبَ على النفط سيرتفع بنسبة 23% حتى عام 2045 وفق منظمة «أوبك»، مما يعني أن الأفكار الحادة يمكن أن يؤدي تبنِّيها إلى أزمات اقتصادية مدمرة، بما في ذلك فقدان الوظائف وتدهور مستويات المعيشة، وبالأخص في البلدان الفقيرة.
لذا توجت نتائج مؤتمر «كوب28» بأفكار عملية ترمي إلى الإحلال التدريجي لمصادر الطاقة النظيفة والتي تحتاج إلى جهود ومصادر تمويل هائلة وقدرات تكنولوجية ما زالت بحاجة للتطوير، حيث اتُّخذت خطوات عملية في هذا الشأن، من الدولة المضيفة ومن الدول المشاركة، بروح من المسؤولية والعقلانية التي يحتاجها العالَمُ حالياً أكثر من أي وقت مضى بهدف التوفيق بين الواجبات المناخية والتنمية المستدامة.
*خبير ومستشار اقتصادي