وقَّع صاحبُ السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحبُ الجلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية حفظه الله، يوم الرابع من شهر ديسمبر الجاري، «إعلاناً نحو شراكة مبتكرة وراسخة» بهدف تطوير مختلف مجالات التعاون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والانتقال بها إلى آفاق نوعية أرحب تلبي تطلعات البلدين وشعبيهما إلى التنمية والرخاء، وذلك في إطار زيارة دولة يقوم بها ملك المغرب إلى دولة الإمارات.
كما تبادل الجانبان عدداً من مذكرات التفاهم، كتلك المتعلقة بإرساء شراكة استثمارية في مشاريع القطار فائق السرعة في المملكة المغربية، وفي قطاع الماء، وإحداث شراكة إنمائية، وفي مشاريع قطاع الطاقة والفلاحة والصيد البحري والمطارات والموانئ، وأنبوب الغاز «المغرب- نيجيريا»، وفي قطاع الأسواق المالية وسوق الرساميل، علاوة على مجالات أخرى مثل السياحة والعقارات وتخزين المعلومات، وغيرها من المشاريع الهادفة والبنّاءة.
إنها شراكات تعبّر عن علاقات تكاد تكون استثنائية بين بلدين عربيين تدار بحكمة ومسؤولية وبعد نظر.. علاقات نسجت جغرافيتَها الخاصة بتضاريس وجدانية وتاريخية متداخلة ومترابطة لا حدود فيها ولا مثبطات، وذلك بفضل متانة الأسس التي انبنت عليها هذه العلاقات القائمة على مبادئ قوية لا يمكن أن ينال منها الزمن وتقلباته، فهي تستند إلى أصول لا تحور ولا تحول، وهو ما تشهد عليه هذه الزيارة والاتفاقيات المبرمة خلالها والتي هي بمنزلة عقود شريفة بين بلدين شقيقين، كما يشهد عليه هذا التجاوب العفوي بين شعوب البلدين ونخبهما من مفكرين وأكاديميين ومؤرخين وتجار ومستثمرين وطلبة جامعيين وصحفيين وأشخاص عاديين ومن مختلف المهن والخلفيات. كل واحد من هؤلاء يستحضر في وعيه التاريخ ويرسم على مجرى شعوره طابعَ التأثير الذي من شأنه إحداث التغيير المرغوب.
وبمشاركاتي المتتالية، كأكاديمي وأستاذ جامعي مغربي، في العديد من المنابر الإماراتية، وباستقبالي للعديد من المفكرين وأصحاب القلم والرأي الإماراتيين في المغرب، أخرج بقناعة تترسخ على الدوام مفادها أن المغربي والإماراتي دائماً مفعمان بالأصالة والمعاصرة، لا يحيدان عن قصدهما ولا يجوران ولا يستسيغان من القديم والحديث إلا ما يتطلبه السياق التاريخي ويتلاءم مع ما يؤمنان به من أصالة العقيدة المبنية على المذهب المالكي الوسطي المعتدل وأصالة الالتزام ومتانة المناهج.
ودائماً في مداخلاتي الفكرية أقول بأن دول عالمنا العربي أشد ما تكون احتياجاً للسير على منهجي الإمارات والمغرب في تبنيهما لقيم التسامح والتعايش وخلق مساحة فكرية ومجتمعية تأوي الجميع وتمكِّن من بناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك.. إذ لو خضنا في أسباب سماحة بعض الشعوب العربية في علاقاتها المجتمعية وعلاقاتها بالآخر أياً كان، فالجواب يكمن أولاً في عبقرية قادة استثمروا بذكاء في الإنسان منذ الوهلة الأولى، أي منذ نشأة الدولة في لبناتها الحديثة، كما يكمن ثانياً في المرجعيات والقواسم التي توحِّد ولا تفرِّق، تجمع ولا تشتت، تشجع استعمال الفكر والعقل وتنبذ العصبية والتحجر.
*أكاديمي مغربي