الفارس الشهم
في قلب الصحراء حيث تهب الرياح تحكي الرمال قصتها هنا وُلدت حكاية. حكاية عن أرضٍ كانت يوماً مسرحاً للنجوم والرمال والأسرار العتيقة. هنا في الإمارات بدأت رحلة الروح من الحياة الصحراوية إلى بريق الحداثة والتطور. في عمق الذاكرة الإماراتية تعيش حكايات الأجداد الذين عانقت أرواحهم رمال الصحراء.
كانت الحياة بسيطة تعاش على وقع أقدام الإبل وطقطقة نيران المساء وهمهمات المتسامرين حول نيران الشتاء الصحراوي القارص. كان العيش معانقة للطبيعة والثقافة حوار فطري مع الوجود. الشرف، الكرم، التعاون - كانت هذه هي الأعمدة التي ترتكز عليها الروح الصحراوية للأجداد حين كانت الصحراء حاضنتهم الأم. مع اكتشاف النفط استيقظت الأرض من سباتها الأزلي باحت بأسرارها. كان ذلك بمثابة نداء داعيا لأبناء هذه الصحراء لرحلة جديدة. وبدأت أمواج التغيير تتسلل إلى قلب الصحراء مبشرة بفجر جديد.
في عام 1971 تعانقت أرواح الإمارات في اتحاد يعكس الأمل والحلم. هذا الاتحاد لم يكن مجرد تكتل سياسي بل كان إعادة اتحاد كان يجب أن يكون هنا منذ فجر التاريخ. بدأت الإمارات رحلتها نحو الأفق محملة بتراثها وهويتها وأحلامها الجديدة. اليوم الإمارات ليست مجرد دولة تعيش على ضفة الخليج العربي. بل هي حضارة متطورة تتسارع نحو الحداثة البناءة. مدن كأبوظبي ودبي هي لوحات فنية تجسد الجمال والابتكار. العمارة والتكنولوجيا نمط الحياة كلها تعبيرات عن روح تتوق لاستكشاف الجديد والجميل.
في سعيها نحو الحداثة لم تنس الإمارات روحها ولم تتخل عن قيمها ولم تفقد عمقها الأخلاقي. التعليم والثقافة هما المرايا التي تعكس روح هذه الأمة. هنا يتمازج التراث مع الحداثة ويتحاور الشرق مع الغرب في ملامح إماراتية تعكس عمق ثقافتها ورؤيتها. رحلة الإمارات من الصحراء إلى الحداثة هي رحلة الروح في بحر الزمن. هي قصة عن التحول والجمال الحلم والأمل. قصة تعكس ليس فقط نمو دولة بل نمو روح أمة بأكملها.
في هذه الرحلة تظل الإمارات متجذرة في تراثها محلقة نحو مستقبل مشرق محافظة على روحها الأصيلة وهي تتبنى أجمل ما في الحداثة. ووسط كل هذا قَدر الإمارات أن تبني حداثتها في محيط سياسي عالمي مضطرب، الاستمرار فيه كالعبور على السلك بين جبلين يحتاج اليقظة والمهارة. من أجل التوازن بين المأمول في مستقبل حداثتنا وبين تحديات الحاضر والواقع.
الوعي المجتمعي بتحدياتنا خلال هذه المرحلة الصعبة من تاريخ العالم هو ما نعول عليه في المرور بسلام. لتستمر رحلة الروح والأمل في صحراء الإمارات نحو الأمل. ويبقى حاضر شرق أوسطي سياسي مضطرب، تقف فيه الإمارات على ضفة الإنسانية، تبني جسوراً مع الجميع، من أجل الإنسانية.
تبعث الإمارات رسائلها إلى كل العالم، نحن الأمة الصحراوية التي تبني حداثتها وتفتح أبوابها لكل إنسان آمن بإنسانيته. فقضيتنا الأولى وسط هذا الاضطراب هو حماية الإنسان، منح الأطفال مساحة ليعيشوا طفولتهم، وحماية النساء من أجل أطفالهم، وكبار السن لكي تبقى الحكمة حية، من أجل أن تظل للبشرية ذاكرة خير، ترتكز الإمارات على قوتها الناعمة في تعزيز تلك الجسور. في عيد الاتحاد الثاني والخمسين نراهن على الإنسانية فهي الحصان الفائز دائماً خاصة أن قائده فارس شهم قلبه معقود بالنور.
*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة.