سيطرت الصراعات الدولية والإقليمية على أغلبية موضوعات المناقشات التي دارت في «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي» بدورته العاشرة. فالمشاركون من صناع السياسات والخبراء الاستراتيجيين والباحثين ناقشوا اتجاهات المشهد الجيوسياسي العالمي الراهن وما يكتنفه من تحولات ومتغيرات مؤثرة. فتحت عنوان (حرب غزة: المآلات الإقليمية والدولية) انعقدت جلسة تناولت السيناريوهات المحتملة للتطورات الحاصلة، وتداعياتها على مستقبل النزاع بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وموازين القوة الإقليمية وتأثيراتها المحتملة على استراتيجية الولايات المتحدة تجاه المنطقة، والاستقطاب بين القوى الكبرى. وحتى موضوع «حل الدولتين»، الذي يواجه وقتاً عصيباً ومعوقات كبيرة على صعيد العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وعلى صعيد التحديات داخل المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني.
ولم تغب أوكرانيا عن المشهد، وكذلك التطورات المحتملة لما يجري في أوروبا في ظل حاجة أوروبا للوقود الروسي في الشتاء الذي بدأ بالفعل، كما لم تغفل الجلسات ما يحدث في تايوان التي يمكن أن تشتعل في أي لحظة. تصورات الخبراء للمستقبل تقول إن النظام الدولي يعاد تشكيله ليبدأ عصر جديد يتسع إلى عدة أقطاب، حيث تلعب فيه عدة قوى دوراً مؤثراً في المشهد، من دون التقليل من شأن التكنولوجيا في تكوين عالم جديد أو تحييد قوى عنه.
الملتقى وفي افتتاحية جلساته تناول أهم الأحداث في دولة الإمارات، وهو الأمر الذي بات تقليداً سنوياً فيه. فتم تسليط الضوء على مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28)، وأشار المشاركون في الجلسة للدور البارز الذي أدته دبلوماسية الدولة المناخية في تسهيل الحوار والتوافق بين الدول حول القضايا المطروحة على أجندة المؤتمر، من حيث إجماع الباحثين في علم المناخ على أن التغير المناخي أصبح قضية الساعة، ولم يعد موضوعاً مرتبطاً بالبيئة فقط، بل بالاقتصاد والأمن والتكنولوجيا، كما لا يمكن لدولة واحدة أن تجابه مشكلة الاحترار، بل لا بد من تضافر جهود الدول للوفاء بالالتزامات التي من شأنها أن تسهم في مكافحة ظاهرة الاحترار من أجل الحد من تأثيراتها الكارثية على الحياة على كوكب الأرض.
«ملتقى أبوظبي الاستراتيجي» - كفعالية سنوية - فرض نفسه على أجندة الفعاليات المتخصصة في هذا المجال، وبات أحد أهم منصات الحوار في الإمارات والمنطقة، وهو الذي تم تصنيفه كأحد أفضل 10 مؤتمرات استراتيجية عالمية وفق تقرير مراكز التفكير الصادر عن جامعة بنسلفانيا الأميركية، والفضل في ذلك يعود للدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات وأعضاء فريقها الذين يبذلون جهداً كبيراً ليس لاستقطاب أبرز المفكرين العالميين فقط، إنما لوضع أجندة وجدول أعمال لطرح أهم الموضوعات والقضايا ومناقشتها بعقلانية وواقعية تساعد المتلقي في فهم ما يحدث في عصرنا هذا، عصر الثورة الصناعية الرابعة، والتعلم الآلي، والذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات.