في الثامن من أكتوبر الماضي، أمر الرئيس بايدن بإرسال أسطول من السفن العسكرية وحاملة طائرات لتكون قريبة من الحرب بين إسرائيل و«حماس». وبعد ذلك بأيام، أصدر أمراً بإرسال مجموعة بحرية ثانية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. وباعتباري طبيباً، فإنني لا أزعم أنني أعرف الحسابات الجيوسياسية التي تقف وراء هذه القرارات. ولكنني أعرف الشعور الذي ينتاب المرء حينما يشهد موت طفل - وتطارده فكرة أنه كان من الممكن تجنبه. وأعرف أنه مع موت الآلاف من الأطفال في الصراع الحالي في الشرق الأوسط، هناك سفينتان أخريان ينبغي أن نرسلهما إلى المنطقة.
سفينتا «يو إس إن إس كومفرت» و«يو إس إن إس مرسي» عبارة عن مستشفيين عائمين بسعة ألف سرير، مجهزين بموظفين مدربين جيداً وغرف عمليات وحتى وحدات للعناية المركزة. وتقدّم السفينتان خدمات طبية وجراحية متنقلة لدعم عمليات الإغاثة في حالات الكوارث والعمليات الإنسانية، وقد سبق نشرهما مرات عدة عبر العالم. غير أنه بينما تتواصل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في زمننا، تواصل السفينة «مرسي» طريقها نحو مهمة مقررة في المحيط الهادئ، هذا في حين رست السفينة «كومفرت» في ساحل مدينة موبيل بولاية ألاباما حيث تخضع لعمليات تحديث. ولا شك في أن الشراكات وعمليات الصيانة المخطط لها مهمة، غير أنه في أوقات الأزمات يكون الاختيار ضرورياً. ولهذا، يتعين علينا بدلاً من ذلك إرسال السفينتين إلى غزة حيث يموت عدد كبير جداً من الأطفال.
وقد تكون هناك تحديات في تجهيز المركزين الطبيين المتنقلين وإرسالهما إلى البحر الأبيض المتوسط قبل فوات الأوان، غير أنه لا توجد مجموعات بحرية أقدر منهما على تنفيذ الخدمات اللوجستية قبل فوات الأوان. ففي 2010، مثلاً، وصلت سفينة «يو إس إن إس كومفورت» إلى هايتي بعد أسبوع واحد فقط من زلزال مدمر أسفر عن إصابة الآلاف وأدى إلى تدمير أكبر مستشفى في البلاد على نحو لا يمكن إصلاحه. وبالتالي، فإن الاستراتيجية الأكثر فعالية ربما تتمثل في تحويل مسار السفينة «مرسي» المجهزة تجهيزاً كاملاً والمزودة بطواقمها الكاملة من مهمتها الروتينية، مع الشروع بموازاة مع ذلك في الإعداد السريع للسفينة «كومفرت».
وقد يشعر بعضهم بالقلق من إمكانية أن يساعد نشر السفينتين في غزة «حماس»، غير أنه من خلال تركيز المساعدات الأميركية على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً، والذين يشكّلون نحو 40 في المئة من سكان غزة، نستطيع ضمان اقتصار الرعاية الطبية على غير المقاتلين فقط. والشيء نفسه ينطبق على المخاوف من إمكانية أن تحاول «حماس» تهريب مقاتلين جرحى على متن السفينة، بالطريقة نفسها التي حاولت بها تهريبهم من غزة مع مدنيين مصابين. فالمرضى سيكونون من الأطفال الصغار، وسيعودون إلى غزة مع آبائهم بعد تماثلهم للشفاء. ثم إنه إذا كان المسؤولون الأميركيون قد نجحوا في التمييز بين المدنيين والإرهابيين على الحدود المصرية، فإنهم سيكونون قادرين على التمييز بين الأطفال والمقاتلين الذين يدخلون سفينتهم.
وقد يخشى آخرون على سلامة البحارة الأميركيين. والأكيد أن لا أحد في مأمن تام بالقرب من منطقة حرب. غير أنه بالنظر إلى حجمهما، سيتعين على السفينتين «مرسي» و«كومفرت» أن ترسوا في عرض البحر بعيداً عن الشاطئ على أن يصل إليهما المرضى من خلال مروحيات تابعة للبحرية أو قوارب أصغر حجماً. وهذه المسافة من الخطوط الأمامية تقلّل من خطر وقوع كارثة جراء صاروخ خاطئ أو قنبلة فاشلة.
لقد أكد الرئيس بايدن موقفه من هذه الحرب، لكنه شدد في الوقت نفسه على أنه يدعم الجهود الإنسانية لإغاثة المدنيين الفلسطينيين. ولا شك في أن نشر السفينتين «مرسي» و«كومفرت» من أجل تقديم الرعاية الطبية للأطفال المصابين في غزة يمثّل فرصة نادرة لخيرٍ واضحٍ لا لبس فيه في حربٍ تبدو ميؤوساً منها.
إنني طبيب، ولستُ مدرباً بشكل كاف لفهم تعقيدات هذا الصراع والمنطقة، ولكنني أعرف أن الجميع يمكنه استيعاب بساطة هذه المهمة الإنسانية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»