في مكتب حزب المحافظين بالدائرة الانتخابية في ويلينغبورو، وهي بلدة تقع على بعد ساعتين إلى الشمال من لندن، تخبرنا لافتةٌ بأن عضو حزب المحافظين المحلي بيتر بون، الذي انتُخب لأول مرة في 2005، «في الاستماع إلى سكان ويلينغبورو ورشدن». لكن لكم من الوقت؟
فقد أوصى تقرير صادر عن لجنة المعايير البرلمانية بتعليق عضوية «بون» في مجلس العموم لستة أسابيع بتهمة التنمر وارتكاب فعل من أفعال «سوء السلوك الجنسي»، وبون ينفي هذه الادعاءات. وإذا أكد البرلمان هذه العقوبة، فسيتم تقديم عريضة لتجريد النائب البرلماني من منصبه، وستعقب ذلك انتخابات فرعية على الأرجح.
والواقع أن تفكك حزب المحافظين بات يحدث بوتيرة أسرع مما كان يخشاه المحافظون ومما كان يجرأ على تمنّيه حزب العمال. ولعل ما يلفت الانتباه بشأن الهزيمة المزدوجة الأخيرة التي مُني بها الحزب في الانتخابات الفرعية التي أُجريت في كل من تامورث وميدفوردشر ليس هو حجم الهزيمة فحسب، وإنما رد فعل الحزب. وفي الآونة الأخيرة خصّصت «نادين دوريس» حلقة من برنامجها الذي يبث على قناة «توك تي في» للتنديد بزعامة رئيس الوزراء ريشي سوناك. وعلى ما يبدو، فإن المسؤولية الشخصية لم تعد من قيم المحافظين، إذ دعت مجموعة من النواب الحزبَ إلى التحول إلى اليمين المتشدد عبر تشديد الهجرة وخفض المعدل الأعلى للضرائب.
وفي الأثناء، زعمت صحيفة «ذي أوبزرفر»، ذات الميول اليسارية، نقلاً عن عدد من «كبار أعضاء حزب المحافظين»، أن وزير الخزانة جيريمي هانت لا يعتزم التنافس على مقعده في الانتخابات العامة المقبلة. هانت نفى هذه الشائعات، وإن كانت تبدو معقولة في ظل الأجواء الحالية. ويذكر هنا أنه في مايو 1997 خسر مايكل بورتيلو، الزعيم المفترض للحزب، مقعدَه بفارق 17,4 نقطة أمام حزب العمال، الأمر الذي أثار موجةً من الفرح بين العماليين. والآن يتداول سياسيون قائمةَ «بورتيو» التي تضم محافظين كباراً يواجهون خطر فقدان مقاعدهم والأصوات المطلوبة من أجل الإطاحة بهم.
بيد أن الدعوات الموجهة للحزب من أجل الجنوح يميناً أكثرَ تبدو منطقية بشكل سطحي. ذلك أن «حزب الإصلاح»، وريث «حزب بريكسيت»، والذي كان بدوره وريث «حزب استقلال المملكة المتحدة»، والذي كان بدوره وريثاً لأحاديث المقاهي حول تقهقر البلاد، ساهم في حرمان حزب المحافظين من انتصارين في كل من تامورث وميدبيدفوردشر، عبر حصوله على أصوات أكثر من هوامش فوز حزب العمال.
وفي الأثناء، تعهد ريتشارد تايس، الزعيم الحالي لحزب الإصلاح، بمعاقبة المحافظين لأنهم خانوا «بريكسيت» عبر استهداف «مقاعد الجدار الأحمر» (الدوائر التي كانت تصوّت تقليدياً لحزب العمال)، علماً بأن حظوظ «حزب الإصلاح» قد تزداد في حال تنحي تايس لصالح نايغل فاراج. وكان هذا الأخير قد لقي استقبالاً حاراً خلال مؤتمر حزب المحافظين قبل ثلاثة أسابيع، بما في ذلك من بعض الوزراء السابقين، مما يُظهر مدى جاذبيته وشعبيته بين المحافظين الحقيقيين.
لكن حزب سوناك سيدفع ثمناً باهظاً بسبب ميله نحو اليمين. فمنذ عام 2016، استطاع الحزب حماية خاصرته اليمنى عبر استيعاب ناخبي «بريكسيت»، لأن الناس كانوا مذعورين من زعيم حزب العمال جيريمي كوربن، حيث صار «حزبُ محافظين ضاراً قليلاً أفضل من حزبٍ عمّالي سام»، هكذا كان يقول لسان حال الكثير منهم. لكن إزالة كير ستارمر لسموم حزب العمال أدت إلى زيادة كبيرة جداً في كلفة هذه المقاربة. فالناخبون الوسطيون ليسوا مستعدين فقط للتصويت لحزب العمال لأنهم يعتقدون أن خطر كوربن قد زال، ولكنهم يبدون أكثر استعداداً للتصويت للديمقراطيين الأحرار أيضاً، وذلك لأنهم لم يعودوا يشعرون بنفس الحاجة لإبقاء حزب العمال خارج السلطة. وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن يظل المحافظون المحبَطون في منازلهم، مثلما فعل كثيرون في تامورث وميدفوردشر، لأن الخوف من كوربن لم يعد موجوداً لتحفيزهم.
وهناك أيضاً شعور بأن وقت تنحي حزب المحافظين عن الحكم قد حان، فثلاثة عشر عاماً في السلطة فترةٌ طويلةٌ، ناهيك عن عصر الدورات الإخبارية المستمرة على مدار اليوم. وقد تمكن حزب المحافظين من إطالة عمره عبر إعادة اختراع نفسه باستمرار. وسوناك يحاول حالياً إعادة إطلاقٍ أخرى، عبر الزعم بأنه يخوض هذه الانتخابات ضد ثلاثين عاماً الماضية من السياسات الفاشلة، لكن فرص نجاحه ضئيلة. وإذا كان الناخبون ربما غير متحمسين لحزب عمالي يقوده ستارمر، فإنهم ضاقوا ذرعاً بحزب المحافظين.
لكن الحظ السيئ يطارد حزب المحافظين على النحو الذي يبتسم به الحظُّ السعيد للأحزاب الصاعدة على ما يبدو. فعقب الهزيمتين في الانتخابات الفرعية، أعلن جيمي واليس اعتزامَه التنحي في الانتخابات المقبلة، بعد أن تخلّف عن الإبلاغ عن حادث سيارة خطير قبل توقيفه. لا بل إن حتى قدرة الحزب على اختيار توقيت الانتخابات المقبلة في الفترة التي تنتهي في 28 يناير 2025، أخذت تتحول من نعمة إلى نقمة.
ولئن كانت حقيقة أن الحزب متأخر في نتائج استطلاعات الرأي بأكثر من 20 نقطة تشي بأن لديه حافزاً لمواصلة الانتظار إلى حين تحسّن الأمور، فإنه كلما ماطل الحزب وأبقى على حكومته الحالية ازداد الناسُ غضباً. ولهذا، فإن احتمالات تكرار الفوز الكاسح الذي حقّقه العمالي توني بلير في عام 1997 تتزايد مع مرور كل شهر، إن لم يكن مع مرور كل يوم.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»