من المرتقب إجراء انتخابات الجمعيات التشريعية الشهر المقبل في خمس ولايات هندية مهمة. وهي انتخاباتٌ يُنظر إليها على أنها بمثابة مباراة نصف النهاية بالنسبة لحزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم قبل مباراة النهاية، أي انتخابات 2024 العامة التي سيسعى فيها رئيس الوزراء ناريندرا مودي للحصول على ولاية ثالثة في السلطة. ومن المتوقع أن يقوم أكثر من 161 مليون شخص في هذه الولايات الخمس المتفرقة عبر البلاد بالتصويت في انتخابات الجمعيات التشريعية من أجل اختيار حكومات ولاياتهم خلال الفترة ما بين 7 و30 نوفمبر المقبل.
والولايات الخمس المعنية هي ميزورام في الشمال الشرقي، وكل من راجستان ومادهيابراديش وتشاتيس غره في وسط الوسط، وتيلانغانا في الجنوب. ولئن كانت هذه الولايات متفرقة عبر أرجاء البلاد، فإن نتائجها من المتوقع أن تعطي بعضَ المؤشرات على أهم القضايا في البلاد، وتساعد على تشكيل أو تعزيز تحالفات سياسية خلال الفترة التي تسبق الانتخابات العامة. ولا شك في أن المعركة الانتخابية تدور بين حزب «بهارتيا جاناتا» الذي يتزعمه رئيس الوزراء مودي وأحزاب المعارضة، بما فيها «حزب المؤتمر الوطني الهندي».
وفي الماضي كانت أحزاب المعارضة، وكذلك الأحزاب المحلية، تتنافس وتخوض معركة الانتخابات بشكل منفصل، الأمر الذي كان يقلّص فرص فوزها في الانتخابات ضد حزب بهارتيا جاناتا. لكن اللافت في الانتخابات الحالية أن هذه الأحزاب شكّلت تحالفاً يتألف من 28 حزباً بينها «حزب المؤتمر الوطني الهندي». وضِمن هذا التحالف الذي أُطلق عليه اسم «التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل»، أو كتلة «إنديا» اختصاراً، توحّدت أحزاب المعارضة لمواجهة حزب «بهارتيا جانتا» الذي ازداد نفوذه بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية. وفي ولايات مادهيابراديش وتشاتيس غره وراجستان، يشتد التنافس بين حزب المؤتمر وحزب بهارتيا جاناتا بشكل مباشر.
وفي الانتخابات الولائية الهندية، عادة ما يركّز الناخبون على القضايا المحلية وعلى المرشحين المحليين، في حين يصوّتون بشكل مختلف حول القضايا الوطنية خلال الانتخابات العامة. ومع ذلك، يُتوقع أن تحدّد الانتخابات في هذه الولايات الهندية الخمس حالةَ المزاج العام قبل الانتخابات التشريعية العامة المقبلة حين تتوجه البلاد إلى مكاتب الاقتراع في غضون ستة أشهر ويتواجه ناريندرا مودي مع تحالف «إنديا». وهي انتخابات سيذهب إليها حزب بهارتيا جاناتا الحاكم، على غرار ما حدث في انتخابات كل من 2014 و2019، مراهناً في المقام الأول على شعبية مودي إلى جانب القومية الهندوسية. ووفقاً لاستطلاع للرأي أُجريَّ مؤخراً، فإنه على الرغم من أن رئيس الوزراء مودي ما زال يتمتع بشعبية كبيرة، فإن التضخم وارتفاع الأسعار والبطالة.. تظل قضايا تؤثّر على الناخبين كثيراً.
الولايات الثلاث الكبرى التي ستُجرى فيها هذه الانتخابات هي مادهيابراديش وتشاتيس غره وراجستان، وهي ولايات مهمة وناطقة باللغة الهندية، وتُعد المعقل التقليدي لـ «بهارتيا جانتا». وسيشكّل الفوزُ في هذه الولايات الناطقة باللغة الهندية دَفعةً قويةً للحزب في أفق الانتخابات العامة. ويسعى الحزب للاستفادة انتخابياً من بعض البرامج والمخططات التي أطلقتها الحكومة الفيدرالية، إلى جانب شعبية مودي الذي ما زال يتمتع بروابط قوية مع الناخبين على الرغم من وجوده في السلطة لولايتين انتخابيتين.
وبالمقابل، يَعِد حزب المؤتمر بإجراء إحصاء طبقي. فعلى الرغم من أن التمييز على أساس طبقي محظور في الهند، إلا أنه يظل عاملاً مهماً في الانتخابات على جميع المستويات. إذ تختار الأحزابُ مرشحيها وفقاً لانتماءاتهم الطبقية، كما أن العديد من الناخبين يشعرون براحة أكبر حين يصوّتون لشخص من طبقتهم الاجتماعية. ويُعد الإحصاء الطبقي بعداً جديداً في السياسة الهندية، إذ تسعى أحزاب المعارضة إلى إجرائه بهدف تشتيت الأصوات الهندوسية التي توحّد أغلبُها خلف حزب بهارتيا جانتا خلال السنوات العشر الماضية.
في ولاية راجاستان، يوجد حزب المؤتمر في السلطة ويتمتع كبير وزرائه بشعبية كبيرة بفضل الإجراءات التي اتخذها في مجال الرعاية الاجتماعية، غير أن الحزب يواجه اقتتالاً داخلياً على ما يبدو. هذا في حين ينتمي كبير الوزراء في ولاية مادهيابراديش إلى حزب بهارتيا جانتا الحاكم، وقد أمضى 18 عاماً في السلطة هناك حتى الآن، وهو يواجه منافسةً على خلفية مشاكل تتعلق بأداء الحكومة. أما في ولاية تيلانغانا الواقعة بجنوب البلاد، فيشتدّ التنافس بين حزب المؤتمر وحزب بهارتيا جانتا وحزب محلي يوجد في السلطة حالياً. ويَعِد رؤساء وزعماء كل الأحزاب تقريباً، سواء تلك الموجودة في الحكم أو في المعارضة، بإحراز أغلبية الأصوات وتشكيل حكومات في كل الولايات التي ستذهب إلى الانتخابات. ويعلن كل حزب عن برامج الرعاية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية والتنمية التدريجية من أجل استمالة الناخبين.
ومن المنتظر أن تشهد هذه الانتخابات لأول مرة «نظام إدارة ضبط الانتخابات» الجديد الذي يهدف إلى مراقبة الانتخابات، والتحقق من خلوّها من أي محاولات لشراء الأصوات بأي طريقة. ولهذا الغرض، تمت إقامة 940 نقطةَ تفتيش من أجل يقظة صارمة على طول الحدود بين الولايات منعاً لتدفق المشروبات الكحولية والأموال النقدية والهدايا المجانية والمخدرات. وخلاصة القول أن هذه الانتخابات ستمثّل مؤشراً على حالة المزاج العام قبل الانتخابات العامة التي من المرتقب إجراؤها في غضون ستة أشهر.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي