إن الحدث غير المتوقع يغير «المعادلة». ويبدو أن قادة إسرائيل، الحمائم منهم والصقور، لا يقرؤون أحداث التاريخ أو ينسون دروسها، ولا يحرك عقولَهم سوى «الحرب»، ولعل بنيامين نتنياهو أشدهم.
لكن هل درست حركة «حماس» نتائجَ هجومها المباغت وتبعاته المأسوية؟ وهل أدركت أنها بهذا الهجوم ربما تخدم نتنياهو وحلفاءه في التصويت المقبل، من أمثال وزير الأمن القومي الإسرائيلي «بن غفير» الذي لا يتوقف عن الادعاء قائلاً «نحن أصحاب القدس»؟ وبالطبع فإن الفلسطينيين يردون عليه: «نحن أصحاب القدس»، محذِّرين من «اللعب بالنار»، ومؤكدين في الوقت ذاته: لن نترك المسجد الأقصى.
ومهما يكن فإن نظرةً على حكومة نتنياهو توضح مدى يمينيتها، هو أمر مفهوم، خاصة أن نتنياهو نفسه الذي ترأس الحكومة عدة مرات منذ عام 1996 لم يطرح مقترحاً أو مبادرة للسلام ولو لمرة واحدة!
وبالنظر إلى أن كل عمل عسكري يعقبه تفاوض سياسي، ففي هذه الحالة ربما تختفي حركة «حماس»، لكونها جماعة أو مليشيا مسلحة وإسرائيل لن تفاوضها، وليس لها مخرج سياسي إلا بالتحالف مع نظيراتها من أمثال جماعة «حزب الله» اللبناني.
ومن هنا فقد انبرت جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، لتحمل التبعات السياسية والإنسانية لهذه الأزمة. وقد تحملت هذه الدول مسؤولياتها، باتصالاتها الدبلوماسية مع كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة.
وفي الوقت نفسه فقد دعت دولة الإمارات إلى فتح ممرات إنسانية عاجلة للفلسطينيين المحاصرين في غزة الذين تتعرض مساكنهم لقصف جوي عنيف، كما يعانون قطع المياه والكهرباء والإنترنت. وطالب صاحبُ السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، خلال اتصالاته مع عدد من زعماء العالم، بحشد الجهود الدولية لضمان احترام القانون الدولي الإنساني وتوفير الحماية للمدنيين وتجنيبهم المعاناة المتفاقمة نتيجة التطورات الميدانية. ولاقت الاتصالات والجهود الدبلوماسية الحثيثة التي أجراها سموه تجاوباً تمثّل في قبول الشقيقة مصر بفتح معبر رفح الحدودي لتسيير المساعدات الإنسانية إلى غزة.
ودعت دولةُ الإمارات المجتمعَ الدولي إلى تحمل مسؤولياته واتخاذ إجراءات حازمة ومكثفة تسهم في تهدئة الأوضاع على الأرض وفي إحياء عملية السلام. وتؤكد دولةُ الإمارات أن دعمَها للقضية الفلسطينية لا يقتصر على الجانب السياسي، بل يصاحبه دعم إنساني تمثل في التبرع بعشرين مليون دولار لمنظمة «الأونروا» بغية تعزيز صمود الفلسطينيين.
إن دعم الإمارات للقضية الفلسطينية دعم دائم لا يتوقف، وقد أكدت أن توقيعها اتفاق سلام مع إسرائيل في 15 سبتمبر 2020 لم ولن يكون على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وإنما تقوم دولة الإمارات بتوظيف الدبلوماسية لدعم هذه الحقوق الثابتة، وتركز على ضرورة وقف التصعيد، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس لحماية أرواح المدنيين. كما تدعم الدعوة لتحرك عاجل من قبل المجتمع الدولي لاحتواء الموقف، ولدفع الجهود المبذولة نحو تحقيق السلام الشامل الذي يضمن الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين.
وتظل مشكلة إسرائيل أنها تريد الاحتفاظ بدوافع الحرب لنفسها، لأسباب عقدية دينية وجيوسياسية استراتيجية، رافضةً أي اتفاق أو مبادرة لا تتم وفق شروطها ورؤيتها للمنطقة. على إسرائيل أن تفكر جلياً وأن تقوم باستدارة ضرورية للتجاوب مع المبادرة العربية للسلام.
ربما تُهزم «حماس»، لكن الغضب والصدمة الناجمين عن هذا العرض الهائل للقوة الإسرائيلية من شأنهما أن يزرعا بذوراً لظهور «حماس» أخرى!
*سفير سابق