رابطة «الآسيان».. وأهميتُها للهند
قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مؤخراً إن «رابطة دول جنوب شرق آسيا» (الآسيان) تظل ركيزةً مهمةً لسياسة الهند في التعامل مع الشرق، والتي توجه تواصلَ الهند مع دول جنوب شرق آسيا.
وأكد أن التقدم الذي يتم إحرازه في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة، ورفع صوت الجنوب العالمي أو الدول النامية، يصب في المصلحة المشتركة لجميع الدول. وبينما كان هذا هو الحال دائماً، أصبحت رابطة «الآسيان» محطَّ اهتمام أكبر مع تزايد أهمية مناطق المحيطين الهندي والهادئ.
وتهدف الجهود التي تبذلها الهند ودول «الآسيان» إلى توسيع التعاون القائم وتعزيز الروابط، وقد ظهر ذلك جلياً خلال قمة الآسيان والهند التي عُقدت أوائل الشهر المنصرم. وتضم الآسيان عشر دول هي إندونيسيا وتايلاند وسنغافورة وماليزيا والفلبين وفيتنام وميانمار وكمبوديا وبروناي ولاوس. وخلال القمة، اقترح رئيس الوزراء الهندي إنشاء اتصال متعدد الوسائط وممر اقتصادي يربط جنوب شرق آسيا بالشرق الأوسط وأوروبا عبر الهند.
ورأى أنه «إلى جانب القيم المشتركة، فإن الوحدة الإقليمية والسلام والازدهار والثقة المتبادلة في عالم متعدد الأقطاب تربط أيضاً الهندَ ورابطة الآسيان». إن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الهند ورابطة الآسيان تشكل في حد ذاتها محاولةً لجلب ديناميكية جديدة إلى علاقات المجموعة مع نيودلهي. وقد قرر الجانبان التوصلَ إلى إجراءات ملموسة من خلال التنفيذ العملي لـ«خطة العمل» لتنفيذ الشراكة بين الآسيان والهند من أجل السلام والتقدم والرخاء المشترك.
واتفق الجانبان على تعزيز الآليات القائمة للتشاور والتعاون بين الآسيان والهند، بما في ذلك قمة الآسيان والهند. وإلى جانب القرار بتعزيز الحوار وتعزيز التعاون الدفاعي العملي لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، اتفقت رابطة الآسيان والهند على توسيع التعاون البحري، وهو ما قد يَبرز كمجال رئيسي للتعاون. ويشمل ذلك تعزيز الأمن والسلامة البحرية، وحرية الملاحة والتحليق، والتجارة دون عوائق، وحل النزاعات بالوسائل السلمية. كما تعد العمليات المشتركة لمكافحة القرصنة ومهام البحث والإنقاذ جزءاً من هذا الاتفاق الشامل.
ومن أجل تعزيز علاقات الهند مع رابطة الآسيان، تتضمن خططُ التعاون المتبادل سلسلةً من الخطوات، بما في ذلك مشاركة مجموعة البنية التحتية الرقمية العامة للهند مع أعضاء رابطة الآسيان، وإنشاء «صندوق الآسيان -الهند للمستقبل الرقمي» الذي يركز على التعاون في مجال التحول الرقمي والارتباط المالي.
كما تضمنت دعوة دول الآسيان للانضمام إلى «التحالف من أجل البنية التحتية القادرة على مواجهة الكوارث» و«المركز العالمي للطب التقليدي» الذي تقيمه منظمة الصحة العالمية في الهند. وقد تزايدت أهمية المشاركة بين الهند والآسيان في الآونة الأخيرة. وتحرص معظم دول الآسيان على تنمية علاقات أوثق بين الهند والمجموعة والضغط من أجل تكامل اقتصادي أكبر، وفي بعض الحالات تعاون أمني أيضاً. ومع ذلك، بدأت الهند أيضاً تدرك أهمية رابطة الآسيان، حتى في الوقت الذي تدفع فيه باتجاه استراتيجية مفتوحة وشاملة للمحيطين الهندي والهادئ. لقد تزايدت أهمية فكرة منطقة الهندي والهادئ الشاملة في الآونة الأخيرة، وهي في قلب الجغرافيا السياسية العالمية في هذه المرحلة.
وتضمن البيانُ التركيزَ على تشجيع الابتكار في الاقتصاد الأزرق، واقترح أنشطةً مثل عقد فعاليات مسابقات «الهاكاثون» (حدث يجتمع فيه مبرمجو الكمبيوتر لتطوير البرمجيات بشكل مكثّف)، ومهرجانات للشركات الناشئة، وأبحاث مشتركة لتعزيز تبادل المعرفة وبناء القدرات، وتشجيع السياحة المستدامة والبيئية، بما فيها السياحة البحرية. ومن الإنجازات المهمة الأخرى التي تم تحقيقها اتفاق الجانبين أيضاً على تعزيز التعاون في مجال الاقتصاد الأزرق وغيره من مجالات التنمية المستدامة، خاصة تنمية الموارد البحرية، والتنوع البيولوجي البحري، والحفاظ على النظام البيئي، ومكافحة تغير المناخ والتلوث البحري، وتعزيز النقل البحري الأخضر والفعال.
وفي هذا السياق، يعتبر من المفيد للهند، وهي واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، ولرابطة الآسيان، تعزيز العلاقات الوثيقة. إذ تعد الآسيان رابع أكبر شريك تجاري للهند، حيث وصلت التجارة الثنائية في عام 2019-2020 إلى 86.9 مليار دولار، في حين أن الهند خامس أكبر شريك تجاري للآسيان. وهناك العديد من نقاط التقارب في المصالح بين الجانبين، علاوة على وجود ثقة كبيرة وسط التوترات الجيوسياسية في العالم. وتَعتبر الهندُ دولَ رابطة الآسيان في قلب منطقة المحيطين الهندي والهادئ الجديدة. وكانت نيودلهي قد أطلقت «مبادرة المحيطين الهندي والهادئ» في قمة شرق آسيا عام 2019 في بانكوك. وهناك جانب آخر من العلاقات الهندية المتنامية مع رابطة الآسيان، وهو التعاون الدفاعي الذي ينمو بسرعة.
فقد زاد الجانبان تعاونهما البحري من خلال التدريبات البحرية بين الآسيان والهند، والتي عُقدت في مايو من هذا العام. لقد استخدمت الهندُ قواتِها البحريةَ منذ فترة طويلة لبناء علاقات مع الدول البحرية في مناطق المحيطين الهندي والهادئ، لكن هذا التمرين يعزز التعاونَ من خلال الارتباط مع رابطة الآسيان كمجموعة. وقد استضافت القوات البحرية الهندية والسنغافورية هذه التدريبات البحرية بين الآسيان والهند. وكان الهدف منها خلق قابلية التشغيل البيني، مما يعني أن القوات البحرية للجانبين يمكن أن تعمل بطريقة سلسة.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي