بعد إعلان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس» استعدادَها لـ«التدخل» عسكرياً قصد إعادة النظام الدستوري إلى النيجر، في حال استنفاد كل السبل الدبلوماسية، حذَّر المجلس العسكري منذ أيام من أي «هجوم يستهدف البلاد»، مشيراً إلى أنه «لن يكون سهلاً على المشاركين فيه». وموازاة مع هذا الإعلان، عينت الولايات المتحدة سفيرةً جديدةً في نيامي، وفق بيان لوزارة الخارجية الأميركية.

وقد ذَكر البيانُ أن اختيار كاثلين فيتزغيبون للمنصب «لا يعكس تغييراً في سياسة» واشنطن، ولكنه «يستجيب للحاجة إلى موظفين لديهم خبرة في هذه الأوقات المعقدة».

والصحيح أن العديد من القوى العظمى تحاول جاهدة وضع دبلوماسيين محنكين لها في القارة الأفريقية، لتدارك تأخر تواجدها هناك أو لمحاولة تطوير تواجدها أو استرجاع نفوذها في القارة. ونحن نتذكر أنه قبل ثمانية أشهر عُقدت قمة أميركية أفريقية احتضنتها واشنطن، وشارك فيها نحو 50 من القادة الأفارقة، كما قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ أربعة أشهر بجولة أفريقية بدأها من الغابون، وزار ثلاث دول أخرى هي أنغولا وجمهورية الكونغو (برازافيل) والكونغو الديمقراطية.

وقبل أسابيع من الآن عُقدت قمة روسية أفريقية استضافتها سان بطرسبرغ، وشاركت فيها 49 دولة أفريقية من أصل 54. وبالنسبة لفرنسا، فإنها تقاتل اليوم لتدارك التراجع التاريخي الذي بات يطبع وجودها في القارة الأفريقية لفائدة دول أخرى مثل روسيا والصين. وبعد الانقلاب العسكري الأخير في النيجر، فإن خطر فقدان مكانة فرنسا في القارة بدأ يزداد بدرجة غير مسبوقة، لا سيما وأن النيجر تحتل أهمية كبيرة بالنسبة لفرنسا، وقد أصبحت في الأعوام الأخيرة القاعدةَ الرئيسيةَ للقوات الفرنسية التي تحارب المتشددين في منطقة الساحل الأفريقي بعد انسحاب هذه القوات من دولة مالي المجاورة للنيجر.

وتعي فرنسا، ومعها الولايات المتحدة، تداعيات تعزيز روسيا لوجودها في أفريقيا بشكل كبير، كما تفهم تداعيات إنشاء الصين لطرق حرير جديدة وبأساليب عقلانية. فروسيا تقوم بتعزيز الشراكة العسكرية مع الكثير من دول القارة السمراء، بما في ذلك الكاميرون وإثيوبيا وجنوب أفريقيا، وحتى مالي التي استقدمت إلى أراضيها عناصر مجموعة «فاغنر». أما الصين فهي الدولة التي تشتغل في أفريقيا بصمت وذكاء كبيرين للغاية، وقد أصبح لها منظور استراتيجي يتناول المديين المتوسط والبعيد معاً، كما نجحت في إقناع العديد من الدول الأفريقية بالموافقة على النسخة الحديثة من ممرها الاقتصادي والتجاري، وهي تقوم بتغيير الخريطة الاقتصادية الأفريقية على جميع الأصعدة.

لم تفهم الدول الصناعية الكبرى، وخاصة فرنسا (الدولة المستعمرة السابقة)، تحولات النخب المدنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والبنكية والاستثمارية، بل وحتى الطلابية، في القارة الأفريقية.. ولم تفهم أن هذه النخب تبحث عن شراكات متكافئة وعن علاقات متوازنة، وعن الندية، وعن دول لا تحمل نظرات استعلائية في علاقتها مع الآخر، ولا تحمل رسائل أيديولوجية أو قيمية. فلم يكتب لدول النجاح في تعاملها مع أفريقيا، مثل الصين، إلا لأن استراتيجيتها قائمة على قاعدة رابح-رابح (win-win).

*أكاديمي مغربي