تثبت الإمارات في علاقاتها الخارجية أن أهدافها الاستراتيجية ذات أفق مستقبلي، وتركز على تعزيز التنمية والاستقرار وتبادل المصالح التي تعود بالنفع على شعبها وشركائها، وخلال الفترة الماضية قدمت الإماراتُ دروساً في الثوابت التي تحكم علاقاتِها بمختلف الدول على مستوى العالم، حيث المصالح والثقة المتبادلة تتفوق على ما عداها، لا سيما عندما تجد الإماراتُ لدى الطرف الآخر ما يتماشى مع رؤيتها وحرصها على بناء المصالح المستقبلية.
ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى التطور الذي شهدته العلاقاتُ بين دولة الإمارات وتركيا في مختلف المجالات، بفضل الزيارات المتبادلة بين البلدين على أعلى المستويات، وبفضل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها بينهما. وهذه العلاقاتُ تعكس رؤيةَ الإمارات لتعزيز مصالحها وتركيزها على رفاهية شعبها، والانفتاح على تمتين قنوات التواصل المباشرة والمثمرة مع كافة الدول، ومن ضمنها العلاقات مع تركيا التي تضع المجالَ الاقتصادي على رأس أولوياتها.
ولمن يعتقد أن العلاقات الإماراتية التركية حديثة العهد، فإنها تعود إلى عهد قيام الدولة عام 1971، ومع بروز محطات ذات طابع سياسي في بعض الفترات، إلا أن الطابع الاقتصادي يتصدر ليؤسس لتعزيز العلاقات بين الجانبين، حيث أسهمت لقاءاتُ قيادتَي البلدين في تحقيق نقلات جديدة في العلاقات، ابتداءً بالزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2021، ولقاء سموه بفخامة رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية، وفتحت تلك الزيارةُ صفحةً جديدةً وآفاقاً مثمرةً بالتعاون والحوار في مختلف المجالات.
وفي المقابل شهد فبراير من العام الماضي قيامَ الرئيس أردوغان بزيارة إلى الإمارات، وهي الزيارة التي تم خلالها توقيع 72 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات مختلفة، سرعان ما أثمرت زيادةً كبيرةً في حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين.
وتتويجاً لتطور العلاقات، شهدنا قبل أيام الزيارةَ الثانيةَ للرئيس أردوغان إلى الدولة، وقد تضمّنت مباحثاتٍ حول التعاون والتطورات الإقليمية والدولية. ولأن رؤية البلدين لطبيعة العلاقة ترسخت وفق نهج واضح، فقد كانت قضايا التجارة والاستثمار أحد أبرز مجالات التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وهو المحور الذي أوصل تركيا إلى مرتبة الشريك التجاري الأول للإمارات بالمقارنة مع شراكتها مع دول مجلس التعاون. فبحسب مؤشرات رسمية فقد زادت نسبة التجارة غير النفطية بين الإمارات وتركيا العام الماضي بنسبة 40% عن عام 2021 وبنسبة 112% عن عام 2020، لتصبح الشريك الأسرع نمواً لدولة الإمارات بين أكبر 10 شركاء تجاريين، مع توقع بارتفاع حجم التجارة غير النفطية معها إلى أكثر من 40 مليار دولار في غضون خمس سنوات قادمة.
ويقوم هذا الاهتمام بالمجال الاقتصادي على الوعي بالقيمة المستقبلية لقطاعات استثمارية حيوية تخدم البلدين، مثل التكنولوجيا الزراعية، والبناء، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والخدمات اللوجستية.. وقد تَعزز التوجهُ نحو تقوية الشراكة في هذه المجالات وغيرها من خلال اتفاقيات تشمل التعاون في عدد آخر من القطاعات الاستراتيجية، منها التحول الرقمي والفضاء والبنية التحتية والصناعة والطاقة المتجددة، وجميعها قطاعات محفزة وتشجع على تبادل المواهب والخبرات.
وعبر هذه العلاقة المبشِّرة بمزيد من النمو تؤكد الإماراتُ نهجَها ونجاح نموذجَها الذي يجعل من السياسة رافعةً لدعم الاقتصاد، وتحقيق تطورات ملموسة في نسج المزيد من العلاقات مع مختلف الدول التي يحمل اقتصادُها مؤشرات بفرص استثمارية مهمة. كما أن تقوية علاقات الإمارات وتركيا، تسهم في زيادة التنسيق للتعامل مع التغيرات السياسية والأمنية في المنطقة، وفي تعزيز التعاون والحوار.. ومع كل زيارة رسمية تجمع قيادتي البلدين يزداد تَشكل الفرص ونمو المصالح المشتركة والثقة المتبادلة.