نهر الأمازون.. تعويضات للسكان الأصليين
على ضفاف نهر أمونيا الخصبة، حيث تلتقي البرازيل ببيرو في أعماق الأمازون، ينفق «مجتمع أشانينكا للسكان الأصليين» 3 ملايين دولار قيمة التعويضات عن قطع الأشجار غير القانوني.
ويتم استغلال هذه الأموال في إعادة بناء المنازل التقليدية ذات الأسقف المصنوعة من القش لتصبح أكبر وأكثر ثباتاً، ويتنقل القرويون في مجرى النهر الموحل على زوارق مجهزة بمحركات جديدة. ومع ذلك، فإن التحول الأكثر أهمية يحدث في الخفاء، كما يقول السكان المحليون، وقد بدأ قبل وقت طويل من التوصل إلى تسوية التعويض. يقول «مويزيس بياكو»، وهو عضو في عائلة من زعماء القرية: «ليس المال هو ما نحلم به».
وأردف وهو يشير إلى المساحة الممتدة التي ساعد في إعادة بنائها، والمغطاة ببساتين من أشجار الفاكهة الوفيرة، ومساحات عشبية، وخزانات لصيد الأسماك: حلمنا هو حماية هذا. قضى سكان مجتمع أشانينكا في نهر أمونيا أجيالاً كعمال يدويين للغرباء الذين شوهوا ثقافتهم وفي بعض الأحيان كانوا يحظرونها. وتسبب قطع الأشجار على نطاق واسع في تدمير ما يقرب من ثلث غاباتهم في الثمانينيات. بحلول عام 2020، تلقى المجتمع اعتذاراً رسمياً، وبدأ في تلقي تعويض مالي من إحدى شركات قطع الأشجار فيما يعد إنجازاً قانونياً تاريخياً. ومع استمرار تهديد اجتياح الأراضي، جاءت أموال الإصلاح مع شعور حذر بالنصر.
إذ ينظر القرويون إلى هذه الأموال على أنها شكل من أشكال العدالة الثقافية، والذي سيخدم غرضه إلى الحد الذي يضمن بقاء هويتهم كمجتمع «الأشانينكا». إن منح المجتمعات الإرادة لتصحيح أخطاء الماضي بشروطها الخاصة هو اتجاه يكتسب قوة في عالم العدالة التعويضية. يقول فرانسيسكو بياكو، الأخ الأكبر لمويزيس: «لقد استخدمنا المال للحصول على الحرية والوقت لإعادة بناء أنفسنا وإعادة وضع أنفسنا كمجتمع، حيث نعمل في ظل ظروفنا الخاصة» ومن جانبه، يقول توماس أنتكوفياك، الأستاذ في كلية سياتل للقانون: «في كثير من الأحيان ستكون التعويضات دون المستوى؛ لأنها لا تلبي احتياجات وأولويات المجتمعات. ولكن بهذه الطريقة فقط سيحافظون على نوع من الاستعادة التي تمثل أهمية لهم». بدأ الصيادون وقاطعو الأشجار في الوصول إلى هذه المنطقة في منتصف القرن العشرين، ليطلقوا ما يتذكره القرويون على أنه حقبة من العوز والجوع.
فقد كان المُلاك (أو الرعاة) البيض، الذين يطلق عليهم أرباب العمل، يعطون القرويين البضائع مقابل عملهم بدلاً من الأجور ويمنعونهم من ارتداء الملابس التقليدية، أو إقامة الاحتفالات الثقافية، أو تنظيم الاجتماعات فيما بينهم. في السبعينيات، عندما بدأ القرويون القتال من أجل حقوقهم القانونية والاعتراف بالأرض، بقي ما يقرب من نصف القرية خائفين من الشائعات بأنهم سيتضورون جوعاً إذا تم طرد المستوطنين.
في غضون ذلك، شهدت شركات قطع الأخشاب فرصا مربحة. وعلى مدار الثمانينيات، قامت شركتان بتطهير 25000 فدان من أشجار الأرز والماهوجني والكرز الثمينة للبيع في أسواق الأثاث الأوروبية، باستخدام الآلات الثقيلة التي دمرت مساحات شاسعة من الغابة. وكان هدير المناشير يدفع الحياة البرية بعيدا، بينما أدت انسكابات النفط إلى تلويث المياه المجاورة.
بدأ المجتمع نزاعا قانونيا ضد الحطابين (قاطعي الأشجار) في عام 1996، بعد أربع سنوات من حصوله على حقوقه الرسمية في الأرض. وعرضت إحدى الشركات المملوكة لحاكم الولاية في ذلك الوقت على قرية أشانينكا ثلاثة مزارع ماشية، وواجهة متجر في أقرب مدينة، ومبلغ 100 ألف دولار للتنازل عن القضية، كما يتذكر مويزيس بياكو، لكن أهل القرية رفضوا. يقول بياكو: «أردنا إنهاء الاستغلال»، حتى لو كان ذلك يعني انتظار العدالة لعقود.
هذا اتجاه شائع تواجهه مجتمعات السكان الأصليين في جميع أنحاء أميركا اللاتينية، كما يقول البروفيسور أنتكوفياك. ويضيف أنه عادة، «تبقى هذه القضايا في المحاكم لسنوات وسنوات، وهذا له عواقب وخيمة على المجتمعات نفسها»، لم يكن لدى «شعب أشانينكا» أي نية في الانتظار بلا حَراك. لقد كانوا منهمكين في عملهم لاستعادة هويتهم الثقافية، من الداخل إلى الخارج.
كان الهدف المهيمن يتمثل في العودة إلى الاكتفاء الذاتي الذي مارسه أسلافهم. لقد وضعوا خطة لإدارة الأرض والبيئة، وقاموا بتصنيف البذور المحلية، وزرعوا أكثر من 15000 شجرة من الماهوجني والأرز، وأقاموا بساتين الحراجة الزراعية. كما قاموا بنقل قريتهم على طول النهر لمراقبة الغزوات المحتملة بشكل أفضل. ولجأ شعب «أشانينكا» إلى مصادر أخرى لتمويل جهود الحفظ وحماية الأراضي، مثل بنك التنمية الوطني البرازيلي ومنظمة «كونسيرفيشن إنترناشونال» الأميركية غير الربحية Conservation International. وأصبحت جمعية «أبيوتكسا» Apiwtxa ذراعهم السياسي، بينما تم إنشاء الجمعية التعاونية للعمال لتمثيل المجتمع اقتصاديا.
وهم اليوم يبيعون منتجاتهم من الأعمال اليدوية المحلية والحرف اليدوية والمحاصيل الزراعية في جميع أنحاء البرازيل. وعندما حكمت المحكمة العليا لصالحهم وتم التوصل إلى تسوية، بعد أكثر من عقدين من بدء القضية، كان «شعب أشانينكا» مستعداً. بالإضافة إلى الاعتذار الرسمي، يشمل التعويض 6 ملايين ريال برازيلي (1.2 مليون دولار) مخصصة لصندوق حقوق الإنسان والدفاع البيئي، و14 مليون ريال (2.9 مليون دولار) تُدفع لجمعية «أبيوتكسا»، توزع كل ستة أشهر حتى عام 2025.
ولا يزال المجتمع في مفاوضات للحصول على تعويضات من شركة أخرى لقطع الأخشاب. وينظم مجلس يضم عشرين قروياً الإنفاق، مع مدخلات من المجتمع بأكمله خلال التجمعات العادية، حيث تتم مناقشة موضوعات، مثل التعليم والرعي وصيد الأسماك والصيد وحماية الأرض من الغزوات.
تُستخدم الأموال حسب الحاجة، من تحسين البنية التحتية إلى تمويل السفر لحضور المؤتمرات حول قضايا السكان الأصليين والبيئة. وقرر المجلس عدم تقسيم الأموال إلى نسب فردية، وآثر الاستثمار الجماعي في مستقبل المجتمع ودعم الشعوب الأصلية الأخرى في المنطقة. سيتم استخدام أموال التعويضات لبناء مركز لتعليم «أشانينكا»، بحيث تظل الأجيال القادمة متجذرة في المعرفة التقليدية والثقافة والروحانية إلى جانب التعليم الغربي الذي يتلقونه في المدرسة. لقد بدأت جراح الماضي تلتئم. واليوم، يجول الأطفال في القرية الهادئة بحرية، ويتجمع الناس من جميع الأعمار في عطلات نهاية الأسبوع في احتفالات لا تنتهي إلا عندما ينفد الطعام والشراب.
إريكا بيج *
*صحفية لدى كريستيان ساينس مونيتور.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»