نحو صناعة فولاذ صديقة للبيئة
الفولاذ واحد من السلع الأكثر حيوية للعالم، وتصنيعه سبب رئيسي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري. وسيتزايد الطلب عليه مع توسع الاستثمار في البنية التحتية والمباني نتيجة لزيادة السكان.
وما زالت صناعة الصلب تعتمد غالباً على أساليب إنتاج ابتكرت منذ أكثر من قرن، لكن السباق محتدم لتطويرها إلى صناعة صديقة للبيئة قبل أن تجعل الضرائب البيئية وقواعد التلوث الأكثر صرامة جانباً كبيراً من هذه الصناعة عفا عليها الزمن. صناعة الصلب مسؤولة عن حوالي 7 بالمئة من انبعاثات الكربون العالمية.
وتطلق الصناعة التقليدية ثاني أكسيد الكربون مرتين: مرة عندما يجري تسخين الفحم لإنتاج الكوك، ومرة أخرى عند حرق الكوك لصهر الحديد الخام في أفران قد تصل درجات الحرارة فيها إلى 2000 درجة مئوية.
ووفقاً لتوقعات اتحاد الصلب العالمي، فإن الطلب العالمي على الفولاذ يتجه نحو الزيادة بنسبة 20 بالمئة عن مستوياتها الحالية بحلول 2050، وجعل صناعة الحديد، خالية من الكربون بحلول منتصف القرن سيحتاج إلى استثمار يقدر بنحو 1.4 تريليون دولار طبقاً لتقدير شركة الاستشارات «وود ماكينزي».
لا يوجد فارق حقيقي في المنتج نفسه، إنما طريقة التصنيع هي التي تحدد مدى صداقته للبيئة. يجري تجربة عدة أساليب أحدث على الصناعة، كلها في مرحلة مبكرة من التطور. يشمل أحد أكثر الأساليب الواعدة استبدال الفحم بالهيدروجين الأخضر المصنع باستخدام الطاقة البديلة. يجري أيضاً اختبار الكتلة الحيوية، المشتقة من النباتات والحيوانات، كبديل للوقود.
ويدرس منتجو الصلب إعادة التدوير كوسيلة أخرى لتقليل الانبعاثات، ذلك أن صهر المعادن الخردة في فرن القوس الكهربائي يحتاج إلى طاقة أقل من الطاقة التي يحتاجها تصنيع فولاذ جديد من الحديد الخام. يمكن خفض الانبعاثات أكثر إذا كانت الكهرباء من مصادر للطاقة المتجددة. هناك عقبات كبيرة في طريق هذا التحول.
هناك أولاً التكلفة الهائلة لإعادة بناء صناعة كبيرة راسخة من القاع، في حين أن من المرجح ألا يستثمر المصنعون في هذا التحول إلا إذا تمكنوا من تحقيق عائد لائق. بعبارة أخرى، فإن شركات الصلب والبنوك التي ستمول تلك التطويرات تحتاج إلى أن تكون واثقة من أن الفولاذ الأخضر سيحقق علاوة كبيرة تضمن ربحية المشروع.
وفي حين وضع كثير من منتجي الفولاذ القديم المعتمد على الفحم في أوروبا وآسيا خططاً للانتقال إلى الصلب الصديق للبيئة، فإن الشركات الأميركية المناظرة لم تتوصل بعد إلى مقترحات جادة. وطلبت نيبون ستيل، أكبر شركة منتجة للصلب في اليابان، من الحكومة تقديم الدعم للمساعدة في تمويل تحولها إلى صناعة خضراء.
وقالت الحكومة الصينية إن الصناعة في البلاد ستصل إلى ذروة انبعاثات الكربون بحلول 2030 وإلى صفر انبعاثات بحلول 2060. وبدأ عدد من كبار منتجي الصلب في العالم خطوات لجعل منتجاتهم صديقة للبيئة أو وضع أهداف لوقف استخدام الوقود الأحفوري خلال العقد القادم أو ما بعده. فيما يلي لمحة لما تقوم به الشركات. قدمت شركة ساب السويدية أول إنتاج لها من الفولاذ الأخضر في 2021 وبدأت إنتاجه تجارياً في 2023 باسم «ساب زيرو».
وتستهدف بيع 100 ألف طن سنوياً بحلول 2025. ولا يمثل ذلك سوى نسبة صغيرة من طاقتها الإنتاجية الإجمالية التي تبلغ 8.8 مليون طن. وحصلت شركة «اتش2 جرين ستيل»، على موافقة في يونيو الماضي على إنشاء مصنع جديد في شمال السويد يستهدف إنتاج خمسة ملايين طن سنوياً من الفولاذ الأخضر بنهاية العقد الحالي. وتدرس شركة ريو تينتو ومقرها لندن ومجموعة باويو ستيل الصينية، أكبر منتجين للفولاذ في العالم، إنشاء مصانع للفولاذ الأخضر معاً في الصين وأستراليا.
كذلك فإن شركة «ريو تينتو» لديها مشروع رائد يستخدم الكتلة الحيوية بدلاً من فحم الكوك. وتعتزم شركة نيبون ستيل اليابانية تعزيز استخدام الهيدروجين في أفرانها العالية. وتعمل شركة فورتسكيو ميتالز جروب، وهي رابع أكبر شركة في العالم لتعدين الحديد الخام، مع شركة ميتسوبيشي اليابانية وشركة فويستالباين الأوروبية المصنعة للفولاذ، على تطوير خالية من الكربون في مصنع في النمسا بأفران تعمل بالهيدروجين والصهر الكهربائي.
وتعتزم شركة «أرسيلور ميتال» استخدام الهيدروجين الأخضر، في وحدة معالجة الحديد الخام التي ستقام في إسبانيا بحلول 2025. طبقاً لمنظمة «تمويل الطاقة الجديدة» التابعة لبلومبيرج، فإن منتج «ساب» الجديد سيحصل على علاوة على سعر الفولاذ العادي تقدر بحوالي 300 يورو لكل طن أو ما بين 20 و30 بالمئة. وفارق السعر قد يقل مع تبني التقنيات الأكثر صداقة للبيئة على نطاق أكبر وتبدأ اقتصادات النطاق العمل. قد يرى المستهلك النهائي أن الفارق ضئيل بشكل عام.
وقدرت «بلومبيرج» أن سعر المنتج النهائي عالي الجودة سيزداد بنحو واحد بالمئة فقط مع التحول إلى الفولاذ الأخضر، الأمر الذي يجعله «ميسور التكلفة» بالنسبة لصناعة السيارات. وأوضحت ماكينزي أن الشخص العادي في أوروبا ينفق بشكل مباشر 200 يورو (231 دولاراً) سنوياً على الفولاذ وسيضيف استخدام طرق منخفضة الكربون 60 يورو.
وساعد تسعير الكربون - الذي يفرض تكلفة على انبعاثات غاز الاحتباس الحراري - على حث المصنعين على أن يجعلوا صناعتهم أكثر صداقة للبيئة. وتشمل السياسات الأحدث آلية وضعها الاتحاد الأوروبي تقضي بفرض ضريبة على المنتجات المستوردة من بلدان أكثر تساهلاً فيما يخص اشتراطات انبعاثات الكربون، لضمان ألا يحقق المنتجون عبر البحار ميزة تنافسية من خلال استثمارات أقل في التقنيات الأكثر نظافة.
وفي الولايات المتحدة، يشمل قانون خفض التضخم الذي اقترحه الرئيس جو بايدن استثمار مليارات الدولارات لجعل صناعة الصلب المحلية خالية من الكربون، رغم أنه ليس واضحاً بعد كيف ستنفق الأموال.
لارس بولسون وليز يي شينغ نجيه* .
*محرران مختصان في شؤون الاقتصاد والبيئة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»