أمراض معدية، وتحذيرات من وباء قادم، وبرامج وتطبيقات تجعل الإنسان حبيس شاشات الكمبيوتر والهواتف النقّالة، وكوارث لا تتوقف وأنهار تجف ومحاصيل زراعية على وشك الندرة الكبيرة المؤدية للاختفاء كغذاء للإنسان والحيوان على حد سواء، وحملات منهجية في كل الوسائل الممكنة، ومن خلال مختلف الطرق لقتل الأسرة التقليدية وتقليل النسل، وفي ظل كل تلك الوقائع والتحديات نتحدث عن معجزة التعددية الثقافية كفكرة جذابة وكيف لا!

وهي تقترح إنساناً تتجاوز هوياته وولاءاته حدوده الجغرافية، وهو إنسان عالمي تربطه التزامات نبيلة برؤية أكبر للمجتمع الإنساني ككل، وتدشين عصر المجتمعات الشمولية والأفراد الذين أخذوا على عاتقهم تشكيل أي شخص آخر وفقاً لقالب رؤيتهم للعالم. فالتعدية الثقافية تشجع المجتمعات على تقبل بعضها البعض والتعايش السلمي معاً باحترام التنوع الثقافي بين المجتمعات وأفرادها، ولكن الأفراد ليسوا مضطرين بالضرورة للاختلاط، طالما إن الفصل حتى وإنْ كان معنوياً بينهم لا ينشأ عنه نزاعات وخلافات عنيفة أو مخالفة للنظم والقوانين.

وفي هذه الحالة تتبنى الشريحة الأكبر من المجتمع أو المسيطرة عليه لسبب أو لآخر موقفاً أبوياً تجاه الأقليات الثقافية الأخرى الموجودة، والتي يجب أن تتعايش وفق رغبات وتوجهات ودوافع حضارة أو ثقافة أو فئة أو نخبة مهيمنة.

فالتعددية الثقافية تعني وجود العديد من الثقافات المتحدة ظاهرياً في مكان واحد، ولكن ليس في سياق تكوين المجتمع، ولا توجد بينها روابط تضيّق الفجوات وتغذي الفهم المعمّق للآخر المختلف، ويركز الخطاب في هذا الإطار بين الثقافات على التفاعلات ويلجأ إلى نهج التواصل في كيفية رؤيتنا للآخر والطريقة التي نرى بها أنفسنا، وهو تصور لا يعتمد على خصائص الآخر أو صفاته، بل على العلاقات التي يتم الحفاظ عليها بين الذات والآخر، وهي أمور حبيسة المراكز البحثية وغرف المؤتمرات.

فالرسالة الموجهة للمليارات من البشر هي أنه لتحقيق هذا التواصل والتكامل بين الثقافات، ولتتعاون المجموعات العرقية والدينية المختلفة والدخول في حوار مع بعضها البعض دون الحاجة إلى التضحية بها، لا بد من وجود أيديولوجية دولية موحدة تؤكد ثوابت التنوع الثقافي. حيث نشاهد في جميع أنحاء أوروبا وحول العالم استياءً شعبياً من المناداة بالتنوع الثقافي، وذلك لأن التعددية الثقافية المدعو لها مضللة وتقدم ككبش فداء لتقويض الدعم للأحزاب الشعبوية أو المعادية للمهاجرين أو المعادية للأجانب.

وفي بعض الأحيان تبدو التعددية الثقافية أقرب إلى الأساطير من كونها واقعاً معاشاً في الحياة اليومية، فهناك مجتمعات تعيش وهي مقتنعة بأنها متسامحة ومتقبلة للآخر المختلف وبعض ممارساتها تقول عكس ذلك، حيث تكمن الصعوبة الأكبر في حقيقة أن مشكلة التعددية الثقافية تظهر في سياق شكل غير مسبوق من العولمة، أوغياب العالمية الثقافية والفشل في توحيد التقاليد الأنثروبولوجية المختلفة، ويقابل ذلك التوحيد التقني والعملي للعالم والذي يصاحبه تجزئة ثقافية جديدة كلياً، ولهذا فإن التعددية الثقافية بحد ذاتها لا تبدو لي كحل بل مجرد اسم لمشكلة.

* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات