كما قلت في المقالة الماضية «ببساطة يعبر الحقد عن اجتياح اللاوعي للوعي» كما يرى فرويد، حيث تصير الآثار الذاكرية صنفاً نموذجياً تتقمص الروح الانتقامية، وتقوم بعملية اتهام دائم فإن القوى الارتكاسية في الحقد لا تحسم الانتصار لصالحها إلا بواسطة فصل القوى الفاعلي عما تستطيعه وذلك بتوظيف آلية الوهم والتضليل، لكن الحقد يظلّ مستعصياً على الفهم الشمولي، إذا لم تتم معرفة الكيفية التي تنتج بها القوى الارتكاسية ذلك الوهم وتحت أي تأثير يتم ذلك.

إن الوهم هو الذي يكون وراء نمو الحقد لأنه علة التضليل الناتج عن فصل القوة الفاعلة عما تستطيعه وعلة التبخيس المتمثل في الاتهام الذاتي والشعور بالإثم.

تلك كانت خلاصة شرح محمد أندلسي المهم في كتابه المشار إليه وذلك في الصفحات (113-119) وهو شرح لأفكار نيتشه الرئيسية في معنى «الحقد» الذي قام نيتشه ببحثه مستنداً على التمييز بين الوعي، واللاوعي. وهو شرح أوضح من الشرح الذي خصصه جيل دلوز في دراسته الصلبة عن نيتشه في كتابه (نيتشه والفلسفة)، ولعلي في مناسبة قادمة، أتطرق لشرح دلوز للحقد، أو «الاضطغان» -حسب مترجم دلوز أسامة الحاج- وأحاول إيضاح التمايزات بين الشرحين. ومن آثار الذاكرة الارتجاعية للحق.

إلحاق الأخطاء بالآخرين، وتوزيع المسؤوليات والاتهام الدائم للغير، وهذه السمة تحل محل العدوانية، فما إن يخذل الحقد توقعات إنسانٍ حتى يفجّر اتهامات قاسية، فإنسان الحقد: لا يشعر أنه طيب إلا إذا شعر بأن الآخرين خبثاء. فصيغته الأساسية، هي أنت خبيث إذن أنا طيب. إنها صيغة تلخص ما هو جوهري في الحقد بكل سماته السابقة وتدرجه في إطار النموذج الارتكاسي.

يكتب نيتشه في هذا: (ليس الحقد سوى قلب للرؤية التثمينية، فأخلاق العبيد تحتاج دائماً إلى عالم معاكس، وخارجي لكي تظهر).

خلاصة قول نيتشه إن ذروة الشر متمثلة في الحقد تتمركز في الإنسان ذاته، لطالما أراد الإنسان أنسنة معارفه، لكنه غفل عن أنسنة ذاته، بل عجز عن ترويض ذاته، وقمة العجز أن يتحول الإنسان ذاته إلى خطر على نفسه هو، وبذلك تعيد النظرة الذئبية الإنسان إلى ذاته، وتعيد الإنسان إلى قاعه، إلى حثالته الأصلية الرابضة في الطبقات الغامضة من عالمه، إعادة إلى وحشية مستقرة، يسترها تمثيله، واصطناعه، ويسترها بأعنف أسلحته «اللغة».

*كاتب سعودي