عرب إسرائيل.. عنف متصاعد
في الأيام القليلة الماضية، توقفت سيارتان أمام البوابة المعدنية الثقيلة لورشة لغسل السيارات في «يافة الناصرة»، وهي بلدة عربية صغيرة في شمال إسرائيل مجاورة لجارتها القديمة المعروفة، يافا. وفتح رامي مرجية البالغ من العمر 15 عاما البوابة ودخلت إحدى السيارات، فيما توقفت السيارة الثانية في الشارع السكني الهادئ بالخارج.
وبعد دقائق خرج مسلحان وفتحا النار مما أدى إلى وأد هدوء عطلة نهاية الأسبوع قبل أن يبتعدا بسرعة. وقُتل رامي وأربعة رجال على الفور، من بينهم نعيم مرجية، ابن عم رامي، صاحب الورشة. ووصف وجيه مرجية، والد رامي وعم نعيم، ما حدث بأنه كان مجزرة، متعجبا مما حدث. وأصاب حمام الدم هذا الشهر الجمهور الإسرائيلي الذي اعتاد فيما يبدو على العدد المتصاعد للقتلى من جرائم العنف بين المواطنين العرب.
وأشارت أرقام الشرطة أن نحو 100 من عرب إسرائيل قتلوا هذا العام، معظمهم من العنف المسلح، وهو ثلاثة أضعاف العدد خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وقالت مصادر أخرى إن الخسائر أعلى من ذلك بكثير. ويشكل المواطنون العرب نحو 20 بالمئة من سكان إسرائيل. لكن في العام الماضي، شكل 116 من عرب إسرائيل ثلاثة أرباع جميع الإسرائيليين الذين قُتلوا في جرائم عنف، وفقا لمنظمة «مبادرات إبراهيم» غير الربحية. ويقول المسؤولون المحليون إن حيازة الأسلحة قد تضخمت، حيث يوجد نحو 400 ألف قطعة سلاح غير مرخصة لدى سكان عرب إسرائيل الذين يبلغ تعدادهم مليوني نسمة.
ويقول مسؤولون ومحللون عرب إسرائيليون إن العنف نابع بالكامل تقريبا من المنظمات العربية التي صعدت في السنوات القليلة الماضية نتيجة عملياتها التي تضمنت الابتزاز والمخدرات والأسلحة غير المرخصة. وقالوا إن ارتفاع معدل الجريمة يرتبط ارتباطا مباشرا بنقص الفرص للشباب العربي.
لكن هؤلاء المسؤولين والمحللين أنفسهم يلقون بكثير من المسؤولية في العنف على غياب اهتمام الدولة، وخاصة من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة الحالية التي إما أنها عاجزة أو غير راغبة في التحرك. والأكثر إشكالية في أذهانهم هو وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير اليهودي القومي المتشدد الذي أدين في الماضي بالتحريض ضد العرب والمسؤول الآن عن شرطة إسرائيل.
ويرى بشار نخاش، الناشط في «يافة الناصرة» أن بن جفير «لا يفهم معنى» الوطن «أو» الأمن «وأن من المثالي لديه أن يقتل العرب العرب. ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دعا في الأيام القليلة الماضية ولأول مرة لجنة وزارية إلى التصدي لعنف السلاح فيما وصفه كبير مساعدي نتنياهو بأنه«حالة طوارئ... للإرهاب على مستوى المجتمع في البلدات العربية». وأصر نتنياهو على أن«حكومتنا تتكون من جميع المواطنين الإسرائيليين - اليهود والعرب على حد سواء». لكن عرب إسرائيل متشككون، حيث يشير المسؤولون المحليون إلى حالات عدم المساواة التي تشير إلى عقود من الإهمال من الحكومة المركزية. فهناك افتقار للحد الأدنى من الدعم المالي لأشياء مثل تطوير البنية التحتية والمدارس والملاعب الجديدة، والتوزيع غير المتكافئ للأراضي والافتقار إلى تصاريح البناء، ووجود الشرطة غير الفعال وتشبع التجمعات السكانية بالأسلحة. ويقولون إن الإهمال يضاعف من مشكلة النمو السكاني للشباب. ويقول ماهر خليلية، رئيس المجلس المحلي ليافة الناصرة إن الشباب لا يرى أفقا للمستقبل مع الافتقار للتعليم والعمل.
وهذا يجعل من المستحيل عليهم توفير المسكن. ومعظم نظرائهم في الفئة العمرية نفسها من اليهود ينخرطون في الجيش بعد المدرسة الثانوية، بينما الشباب العرب وهم معفيون من الخدمة العسكرية، لا يتمتعون بأي فرص أو أمل. وذكر محللون أن نسبة البطالة وسط الشباب العرب تبلغ نحو 30 بالمئة. وكثيرا ما تتردد البنوك في منحهم القروض. ويرى ماهر خليلية أن هؤلاء الأفراد في عرب إسرائيل إما يحصلون على قروض باهظة الكلفة من السوق السوداء من الجماعات الإجرامية بحيث لا يتمكنون بعد ذلك من سدادها، أو يذهبون للعمل كجنود مشاة. ويقول رئيس البلدية»إنهم يقومون بالعمل القذر، ويجبون إتاوات من الشركات، ومن الابتزاز والترهيب، نظرا لتوافر المال «السريع والسهل».
وأضاف أن المذبحة في مغسلة السيارات المحلية ربما كانت مرتبطة ب «حرب» متصاعدة بين مجموعتين بارزتين من هذا القبيل. وبناء على مقابلات كثيرة في جميع أنحاء المدينة، لا يمكن لأحد أن يقول على وجه اليقين من بين القتلى الخمسة هو الهدف الفعلي، وحتى إذا كانوا يعرفون، فقد ترددوا في الإفصاح. وغالبا ما يعتبر المسؤولون الإسرائيليون اليهود هذا النقص في التعاون العربي المحلي مع السلطات عائقا رئيسيا أمام حل ألغاز الجرائم، على الرغم من أن عرب إسرائيل طالبوا في السنوات القليلة الماضية بتدخل أكبر للشرطة في مجتمعاتهم. ويعتقد عمران كناعنة، رئيس بلدية «يافة الناصرة» السابق أن «الادعاء بأن العرب لا يتعاونون مع الشرطة لا يرجع لأننا لا نريد ذلك لكن لأننا خائفون» لأن كل شخص يعتقد أنه «ربما سيكون الهدف التالي».
وأضاف أن اليهود يدفعون الضرائب للحكومة مقابل الخدمات والأمن. ويدفع العرب نقود حماية لأفراد العصابات لمجرد أن يتمتعوا بالحماية والأمن. ويضيف كناعنة أن أقدم أشكال الوساطة في النزاع الذي تمثل في طاعة أوامر شيوخ القبائل، قد انهارت. ويؤكد أن «المجتمع العربي الإسرائيلي ليس تقليديا كما كان من قبل. بل نحن الآن جزءا من المجتمع الاقتصادي الحديث، ولم تعد هناك سلطات». وحتى الآن هذا العام، تم حل ألغاز عدد قليل فحسب من 100 حالة قتل في المجتمع العربي، وفقا للأرقام الرسمية.
وأعلن نتنياهو أنه يريد زيادة دور جهاز الأمن الداخلي شين بيت لملاحقة جماعات الجريمة المنظمة العربية، وهي خطوة مثيرة للجدل تعارضها السلطات القانونية وجهاز الأمن الداخلي نفسه. ويشير المسؤولون العرب المحليون إلى النجاح الذي حققته الحكومة الإسرائيلية السابقة قصيرة العمر في خفض معدل القتل بين العرب الإسرائيليين بشكل طفيف العام الماضي.
وذكر محللون ومسؤولون سابقون، أن نهج «الحكومة بالكامل» نفذه يوآف سيجالوفيتش، نائب وزير الأمن الداخلي. ويؤكد المسؤولون العرب أن هذه القضية أصبحت ذات أولوية قصوى. ويرى «يوسف جبارين»، عضو البرلمان السابق أن الشرطة الإسرائيلية لديها كل الأدوات لقمع العصابات الإجرامية، لكن ليس لديها الإرادة السياسية. ولفت «جبارين» إلى رد الفعل السريع، خلال ساعات، على أي جرائم قومية ترتكب ضد اليهود. وقال «تستطيع إسرائيل أن تجد أسلحة في السودان وإيران، لكنها لا تراها هنا داخل إسرائيل». ومن الجدير بالذكر أن السيد سيغالوفيتش كان المسؤول الوحيد الذي جاء لتقديم تعازيه لعائلة «مرجية» على فقد ذويها.
وقال هاني مرجية إن «أحدا من ضباط الشرطة لم يأت للتحدث إلينا، ولا وزير واحد، ولا حتى سياسي عربي واحد. جاء فقط سيجالوفيتش... كأننا لا نعيش في دولة إسرائيل». ولم تنكر شرطة إسرائيل ذلك واكتفت بالقول إنها تحمل عمليات القتل «محمل الجد» وأنها ملتزمة ب «تقديم الجناة إلى العدالة». وعائلة «مرجية» من المسيحيين الذين عاشوا على مدى أجيال بسلام بجوار جيرانهم المسلمين. وبالمثل كان الضحايا في مغسلة السيارات من المسيحيين والمسلمين. وكما تشهد اللافتات المكتوبة باللغة العبرية على الأعمال التجارية في جميع أنحاء المدينة، فإن كثيرين من اليهود الإسرائيليين الذين يأتون إلى المكان كان من الممكن أن يلقوا حتفهم أيضا. ومثل عدد لا يحصى من العائلات الأخرى في جميع أنحاء البلاد، لم يتبق لدى عائلة «مرجية» سوى الأسئلة وبيت محطم. وقال توفيق مرجية وهو يبكي «قتلوا ابني وابن أخي... ليس لدينا من يحمينا».
نيري زيلبر*
*صحفي وزميل مساعد بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»